[الحاقة : ٢٠] ؛ وقال تعالى : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) [المطففين : ٤].
وقال دريد بن الصّمّة : [الطويل]
٤٥٨ ـ فقلت لهم : ظنّوا بألفي مدجّج |
|
سراتهم في الفارسيّ المسرّد (١) |
وقال أبو دؤاد : [الخفيف]
٤٥٩ ـ ربّ همّ فرّجته بعزيم |
|
وغيوب كشّفتها بظنون (٢) |
فاستعمل الظّن استعمال اليقين [مجازا ، كما استعمل العلم استعمال الظّن ؛ كقوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة : ١٠] ولكن العرب لا تستعمل الظّن استعمال اليقين] إلّا فيما لم يخرج إلى الحسّ والمشاهدة كالآيتين والبيت ، ولا تجدهم يقولون في رجل حاضر: أظنّ هذا إنسانا.
قائلو هذا القول قالوا : إن الظن ـ هنا ـ بمعنى العلم ، قالوا : لأنّ الظن وهو الاعتقاد الذي يقارنه تجويز النقيض يقتضي أن يكون صاحبه غير جازم بيوم القيامة ، وذلك كفر والله ـ تعالى ـ مدح على [الظّن](٣) ، والمدح على الكفر غير جائز ، فوجب أن يكون المراد من الظن ـ هاهنا ـ العلم ، وسبب هذا المجاز أن العلم والظن يشتركان في كون كل واحد منهما اعتقادا راجحا ، إلا أن العلم راجح مانع من النقيض ، والظن راجح غير مانع من النقيض ، فلما اشتبها من هذا الوجه صحّ إطلاق اسم أحدهما على الآخر ، كما في الآية والبيت.
والثاني : أن الظّن على بابه وفيه تأويلان :
أحدهما : أن تجعل ملاقاة الرب مجازا عن الموت ؛ لأن ملاقاة الرب سبب عن الموت ، فأطلق المسبّب ، وأراد السبب ، وهو مجاز مشهور فإنه يقال لمن مات : إنه لقي ربّه ، فتقدير الآية : وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو الموت في كل لحظة ، فإن من كان متوقعا للموت في كل لحظة ، فإنه لا يفارق قلبه الخشوع.
وثانيها : أنهم يظنون ملاقاة ثواب ربهم ؛ لأنهم ليسوا قاطعين بالثواب ، دون العقاب ، والتقدير : يظنون أنهم ملاقو ثواب ربهم ، ولكن يشكل على هذا عطف (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) فإنه إذا أعدناه على الثّواب المقدر ، فيزول الإشكال أو يقال : إنه بالنسبة إلى الأوّل بمعنى الظّن على بابه ، وبالنّسبة إلى الثّاني بمعنى اليقين ، ويكون قد جمع في الكلمة الواحدة بين الحقيقة والمجاز ، وهي مسألة خلاف.
__________________
(١) ينظر الحماسة للمرزوقي : (٢ / ٨١٢) ، المحتسب : (٢ / ٣٤٢) ، ابن يعيش : (٧ / ٨١) ، الأصمعيات : (١٠٧) ، اللسان : ظنن ، الدر المصون : ١ / ٢١٢.
(٢) ينظر البيت في الأضداد : (١٥) ، والقرطبي : ١ / ٣٧٦ ، والدر المصون : ١ / ٢١٣.
(٣) في أ : هذا الظن.