وثانيها : أن الملكين إنما قصدا بتعليم السحر الاحتراز عنه ليصل بذلك الاحتراز إلى منافع الآخرة ، فلما استعمل السحر ، فكأنه اشترى بمنافع الآخرة منافع الدنيا.
وثالثها : أنهم تحملوا مشقة تعليمه ليستعملوه ، فكأنهم أبدلوا الراحة في مقابلة التعليم لأجل الاستعمال. والخلاق : النصيب.
قال الزّجاج : أكثر استعماله في الخير.
فأما قول أميّة بن أبي الصلت : [البسيط]
٧١٩ ـ يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم |
|
إلّا سرابيل من قطر وأغلال (١) |
فيحتمل ثلاثة أوجه.
أحدها : أنه على سبيل التهكّم بهم ؛ كقوله : [الوافر]
٧٢٠ ـ .......... |
|
تحيّة بينهم ضرب وجيع (٢) |
والثاني : أنه استثناء منقطع ، أي : لكن لهم السّرابيل من كذا. الثالث : أنه استعمل في الشر على قلة. والخلاق : القدر ؛ قال : [المتقارب]
٧٢١ ـ فما لك بيت لدى الشّامخات |
|
وما لك في غالب من خلاق (٣) |
أي : من قدر ورتبة ، وهو قريب من الأول.
قال القفّال رحمهالله تعالى : يشبه أن يكون أصل الكلمة من الخلق ، ومعناه التقدير ، ومنه : خلق الأديم ، ومنه يقال : قدر للرجل كذا درهما رزقا على عمل كذا. والضمير المنصوب في «اشتراه» فيه أربعة أقوال :
يعود على السحر ، أو الكفر ، أو كيلهم الذي باعوا به السحر ، أو القرآن لتعويضهم كتب السحر عنه. وتقدم الكلام على قوله : (وَلَبِئْسَ ما) وما ذكر الناس فيها ، واللام في «لبئسما» جواب قسم محذوف تقديره : والله لبئسما ، والمخصوص بالذّم محذوف أي : السحر أو الكفر.
قوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) جواب «لو» محذوف تقديره : لو كانوا يعلمون ذم ذلك
__________________
(١) ينظر ديوانه : (٤٧) ، الطبري : ٢ / ٤٥٢ ، البحر : ١ / ٤٨٧ ، الفخر الرازي : ٣ / ٢٢ ، الدر المصون : ١ / ٣٢٩.
(٢) عجز بيت لعمرو بن معد يكرب وصدره :
وخيل قد دلفت لها بخيل
ينظر شواهد الكتاب : ٢ / ٣٢٣ ، والنوادر : ١٥٠ ، ابن يعيش : ٢ / ٨٠ ، الخزانة : ٤ / ٥٣ ، والدر المصون : ١ / ٣٢٩.
(٣) ينظر البحر المحيط : ١ / ٤٨٧ ، روح المعاني : ١ / ٣٤٥ ، الدر المصون : ١ / ٣٢٩.