ولا تشتغل بغيره ، وليس في قوله : (انْظُرْنا) إلا سؤال الانتظار إلى مقدار ما يصل إلى فهم كلامه.
والجمهور على أن «راعنا» أمر من المراعاة ، وهي النظر في مصالح الإنسان ، وتدبر أموره ، و «راعنا» يقتضي المشاركة ؛ لأن معناه : ليكن منك رعاية لنا ، وليكن منا رعاية لك ، فنهوا عن ذلك ؛ لأن فيه مساواتهم به عليه الصلاة والسلام.
وبين أنه لا بد من تعظيم الرسول صلىاللهعليهوسلم في المخاطبة كما قال تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) [النور : ٦٣].
وقرأ الحسن (١) وأبو حيوة : «راعنا» بالتنوين ، ووجهه أنه صفة لمصدر محذوف ، أي : قولا راعنا ، وهو على طريق النسب ك «لابن» و «تامر» ، والمعنى : لا تقولوا قولا ذا رعونة. والرعونة : الجهل والحمق والهوج ، وأصل الرعونة : التفرّق ، ومنه : «جيش أرعن» أي : متفرّق في كل ناحية ، ورجل أرعن : أي ليس له عقل مجتمع ، وامرأة رعناء.
وقيل للبصرة : الرعناء ؛ قال : [البسيط]
٧٢٢ ـ لو لا ابن عتبة عمرو والرّجاء له |
|
ما كانت البصرة الرّعناء لي وطنا (٢) |
قيل : سميت بذلك لأنها أشبهت «رعن الجبل» وهو النّاتىء منه.
وقال ابن فارس : يقال : «رعن الرجل يرعن رعنا».
وقرأ أبيّ (٣) ، وزرّ بن حبيش ، والأعمش ذكرها القرطبي «راعونا» ، وفي مصحف عبد الله كذلك ، خاطبوه بلفظ الجمع تعظيما ، وفي مصحف عبد الله أيضا «ارعونا» لما تقدم.
والجملة في محل نصب بالقول ، وقدم النهي على الأمر ؛ لأنه من باب التروك فهو أسهل.
فإن قيل : أفكان النبي صلىاللهعليهوسلم يعجل عليهم حتّى يقولوا هذا؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن هذه اللفظة قد تقال في خلال الكلام ، وإن لم تكن هناك عجلة تحوج إلى ذلك كقول الرجل في خلال حديثه : اسمع أو سمعت.
الثاني : أنهم فسروا قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) [القيامة : ١٦] أنه ـ عليهالسلام ـ كان يعجل قول ما يلقيه إليه جبريل ـ عليهالسلام ـ حرصا على تحصيل الوحي ، وأخذ القرآن ، فقيل له : لا تحرّك به لسانك لتعجل به ، فلا يبعد أن يجعل فيما
__________________
(١) انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٨٩ ، قال ابن عطية : وهي شاذة ، وانظر البحر المحيط : ١ / ٥٠٨ ، والدر المصون : ١ / ٣٣٢.
(٢) البيت للفرزدق. ينظر القرطبي : ٢ / ٤٢ ، أدب الكاتب : ٣٣٠ ، المجمل : ٢ / ٣٨٣ ، الدر المصون : ١ / ٣٣٢.
(٣) انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٨٩ ، والبحر المحيط : ١ / ٥٠٩ ، والدر المصون : ١ / ٣٣٢.