الوجه الثاني : المراد من النسخ نقله من اللوح المحفوظ ، [وتحويله عنه](١) إلى سائر الكتب وهو كما يقال : نسخت الكتاب.
الوجه الثالث : أنا بينا أن هذه الآية لا تدلّ على وقوع النسخ ، بل على أنه لو وقع النسخ لوقع إلى خير.
[ومن الناس من أجاب عن الاعتراض](٢) الأول بأن الآية إذا أطلقت ، فالمراد بها آيات القرآن ؛ لأنه هو المعهود عندنا.
وعن الثاني بأن نقل القرآن من اللوح المحفوظ لا يختصّ ببعض القرآن ، وهذا النسخ مختص ببعضه.
ولقائل أن يقول على الأول : لا نسلم أن لفظ الآية مختص بالقرآن ، بل هو عام في جميع الدلائل.
وعلى الثاني لا نسلم أن النسخ المذكور في الآية مختص ببعض القرآن ، بل التقدير ـ والله أعلم ـ : ما ننسخ من اللوح المحفوظ ، فإنا نأتي بعده بما هو خير منه.
الحجة الثانية : [للقائلين بوقوع النسخ في القرآن](٣) أن الله ـ تعالى ـ أمر المرأة المتوفى عنها زوجها بالاعتداد حولا كاملا ، وذلك في قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) [البقرة : ٢٤٠] ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر ، كما قال (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤].
قال أبو مسلم : الاعتداد بالحول ما زال بالكلية ؛ لأنها لو كانت حاملا ومدة حملها حول كامل لكانت عدتها حولا كاملا ، وإذا بقي هذا الحكم في بعض الصور كان ذلك تخصيصا لا ناسخا.
والجواب أن مدة عدة الحمل تنقضي بوضع الحمل ، سواء حصل وضع الحمل بسنة أو أقل أو أكثر ، فجعل السّنة العدة يكون زائلا بالكلية.
الحجة الثالثة : أمر الله بتقديم الصدقة بين يدي نجوى الرسول بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) [المجادلة : ١٢] ، ثم نسخ ذلك.
قال أبو مسلم : إنما زال ذلك لزوال سببه ؛ لأن سبب التعبّد بها أن يمتاز المنافقون من حيث إنهم لا يتصدقون عن المؤمنين ، فلما حصل هذا العرض سقط التعبد.
والجواب : لو كان كذلك لكان من لم يتصدق منافقا وهو باطل ؛ لأنه روي أنه لم
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : وأجيب عن.
(٣) سقط في ب.