قال أبو البقاء : أم هنا منقطعة ، إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها ومع أم أيّهما ، والهمزة من قوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ) ليست من «أم» في شيء ، والمعنى : بل أتريدون فخرج من كلام إلى كلام.
وأصل تريدون : «ترودون» ؛ لأنه من راد يرود ، وقد تقدّم ، فنقلت حركة «الواو» على «الراء» ، فسكنت «الواو» بعد كسرة فقلبت ياء.
وقيل : «أم» للاستفهام ، وهذه الجملة منقطعة عما قبلها.
وقيل : هي بمعنى «بل» وحدها ، وهذان قولان ضعيفان.
قوله تعالى : (أَنْ تَسْئَلُوا) ناصب ومنصوب في محل نصب مفعولا به بقوله : (تُرِيدُونَ) أي : أتريدون سؤال رسولكم.
قوله : (كَما سُئِلَ) متعلق ب «تسألوا» و «الكاف» في محلّ نصب ، وفيها التقديران المشهوران : فتقدير سيبويه رحمهالله تعالى أنها حال من ضمير المصدر المحذوف.
أي : إن تسألوه أي : السؤال حال كونه مشبّها بسؤال قوم موسى له ، وتقدير جمهور النحاة : أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : إن تسألوا رسولكم سؤالا مشبها كذا. و «ما» مصدرية ، أي : كسؤال موسى. [وأجاز الحوفي كونها بمعنى الذي فلا بد من تقدير عائد أي كالسؤال الذي سأله موسى](١) و «موسى» مفعول لم يسمّ فاعله ، حذف الفاعل للعلم به ، أي كما سأل قوم موسى.
والمشهور : «سئل» بضم السين وكسر الهمزة ، وقرأ الحسن (٢) : «سيل» بكسر السين وياء بعدها من : سال يسال نحو : خفت أخاف ، وهل هذه الألف في «سال» أصلها الهمز أو لا؟ تقدم خلاف فيه ، وسيأتي تحقيقه في «سأل» ، وقرىء بتسهيل (٣) الهمزة بين بين و «من قبل» متعلّق ب «سئل» ، و «قبل» مبنية على الضم ؛ لأن المضاف إليه معرفة أي : من قبل سؤالكم ، وهذا توكيد ، وإلا فمعلوم أن سؤال موسى كان متقدما على سؤالهم.
قوله : (بِالْإِيمانِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنها ياء العوضية ، وقد تقدم تحقيق ذلك.
والثاني : أنها للسببية.
قال أبو البقاء (٤) : يجوز أن يكون مفعولا يتبدّل ، وتكون الباء للسبب ، كقولك : اشتريت الثوب بدرهم ، وفي مثاله هذا نظر.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) انظر الشواذ : ١٧ ، والمحرر الوجيز : ١ / ١٩٥ ، والبحر المحيط : ١ / ٥١٦ ، والدر المصون : ١ / ٣٤٠.
(٣) وهذه القراءة بضم السين.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٩٥ ، والبحر المحيط : ١ / ٥١٦ ، والدر المصون : ١ / ٣٤٠.
(٤) ينظر الإملاء : ١ / ٥٧.