[التوبة : ٧٧] ، وقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨] ، وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ
__________________
ـ وأما الثاني : فلأنه يؤدي إلى أن موسى ـ عليهالسلام ـ جاهل بما يجوز عليه وما يمتنع ، ومن كان هذا شأنه ، لا يصلح للنبوة ؛ إذ المقصود من البعثة هو الدعوة إلى العقائد الحقة ، والأعمال الصالحة ، فكيف يكون الجاهل بأحكام الألوهية ـ خصوصا بما يجب وما يجوز وما يمتنع ـ مكلفا من (الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) بهدآية الخلق ، ودعوتهم إلى ما يترتب عليه فلا حهم ونجاتهم. قال الشيخ السنوسي في «شرح الكبرى» : كيف يجهل موسى ـ عليهالسلام ـ ما أدركت استحالته حثالة المعتزلة ، فلو لم يعتقد جوازها ، ما سألها ؛ إذ اعتقاد ما لا يجوز عليه ـ تعالى ـ جائزا كفر ، ومن جوز ذلك على موسى أو على أحد من الأنبياء ، فهو كافر ؛ إذ الأنبياء معصومون من الخطأ في العقائد الإلهية ، خصوصا الأوليات منها ، وموسى ـ عليهالسلام ـ من رؤسهم كما أسلفنا ؛ إذ هو أحد أولي العزم من الرسل.
وأما دليل الاستثنائية (لكنه طلبها) : فقوله ـ تعالى ـ : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فلامرية لعاقل في دلالة ذلك على أن موسى ـ عليهالسلام ـ سأل ربه الرؤية.
لكن المعتزلة لما أحالوا رؤيته ـ تعالى ـ ؛ صرفوا الآية عن ظاهرها ، وأولوها بما يتفق ومذهبهم ، وها هي اعتراضاتهم مع الرد عليها :
الاعتراض الأول :
قالوا لا تسلم أن موسى ـ عليهالسلام ـ سأل ربه الرؤية ، وإنما سأله علما ضروريا ، وليس في الآية ما يدل على سؤالها ، وما يستأنس به من لفظ الرؤية فالمراد منه : العلم الضروري لا حقيقة الرؤية ، ولا ضير في ذلك ، وأن العلم الضروري لا زم للرؤية ، وإطلاق الملزوم على اللازم شائع كثير ، سيما أرى بمعنى : أعلم ، ورأى بمعنى : علم ، ويكون المعنى على هذا من قوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ :) رب اجعلني عالما بك علما ضروريا ، ففي هذا الاعتراض منع للاستثنائية بمنع دليلها ، وهذا منسوب إلى أبي الهذيل العلاف ، وتبعه الجبائي وأكثر البصريين.
وأجيب عن هذا الاعتراض.
أولا : لا نسلم أن الرؤية في الآية بمعنى العلم الضروري ، وإلا كان النظر المترتب عليها بمعناها أيضا ، والنظر وإن جاز استعماله بمعنى العلم الضروري ، لكنه في هذا المقام ممتنع لغة ؛ إذ لم ينقل النظر الموصول ب «إلى» إلا بمعنى الرؤية ، وما قيل من أن الدليل هو استحالتها ، فمردود بما سنجيئه من الأدلة الدالة على جوازها ـ إن شاء الله ـ.
ثانيا : لو صح حمل الرؤية على العلم الضروري ، للزم أن يكون موسى النبي المصطفى بالتكليم غير عالم بربه علما ضروريا ؛ إذ السؤال عن الشيء إنما يكون عند الجهل به ، وكيف يتصور ممن يدعو الخلق إلى عبادة ربهم أن يكون جاهلا به ، وأيضا : فإن خطابه لربه يقتضي أن يكون معلوما له بوجه ما ، فإن أريد بالعلم المدعى لزومه للرؤية العلم بالهوية الخاصة ، قلنا : إنه يتناقض مع دعواهم ؛ إذ العلم بالهوية الخاصة ، بمعنى : الانكشاف التام لا يكون إلا بالمشاهدة والقيامة ؛ كما هو شأن جميع الجزئيات الحقيقية ، وأي عاقل يقول بلزوم مثل هذا العلم للرؤية؟ مع أننا لو سلمنا لزومه للرؤية ، لوجب أن تؤل الرؤية به ، وحينئذ لا يصح قول المعتزلة ، بل يجوز بها عن العلم الضروري ؛ لأنه لا زمها.
ثالثا : لو كانت الرؤية في قوله ـ تعالى ـ : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) بمعنى العلم الضروري كما يقولون ، فإما أن يكون الجواب بقوله ـ تعالى ـ : (لَنْ تَرانِي) نفيا للعلم الضروري ، أو للرؤية ، فإن كان الأول ، لزم أن يكون المعنى في ذلك : لن تعلم بي علما ضروريا ، وهو بديهي البطلان ، وإن كان الثاني ، لم يصلح أن يكون نفي الرؤية جوابا عن سؤال العلم الضروري وكيف يستقيم هذا جوابا في كلام البشر ، ـ