وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) [البقرة : ٢٢٣] وهو يتناول المؤمن والكافر ، والرؤية لا تثبت
__________________
ـ فضلا عن القرآن الكريم الذي بلغ حد الإعجاز.
الاعتراض الثاني :
وهو منع الاستثنائية أيضا ـ أن موسى ـ عليهالسلام ـ لم يسأل رؤية ذاته ، بل سأله رؤية أمارة وعلامة من الأمارات الدالة على الساعة ، ومعنى الآية : أرني أمارة وعلامة من علاماتك ، أنظر إلى علاماتك على حد قوله ـ تعالى ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) أي : واسأل أهل القرية ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه ، وهذا تأويل لا يسيغه عقل سليم ، فهو أولا : مخالف للظاهر بلا ضرورة.
ثانيا : الجواب ب (لن تراني) إن كان محمولا على نفي ما وقع السؤال عنه ؛ من رؤية الأمارة والعلامة ، فلقد أراه أعظم الآيات والعلامات ؛ وهي تدكك الجبل. وإن كان محمولا على نفي رؤية ذاته ، لم يكن الجواب مطابقا للسؤال ، وهذا لا يتفق وبلاغة القرآن.
ثالثا : الرؤية المعلقة على الاستقرار ، إن كانت محمولة على الآية والعلامة ، فباطل ؛ لأن الآية والعلامة في تدكك الجبل لا في استقراره ، وإن كانت محمولة على الرؤية ، فلا تكون مرتبطة بالسؤال.
رابعا : لو كان السؤال على رؤية آية تدل على قيام الساعة ، لأعطاه تلك الآية ؛ كما أعطاه غيرها ؛ إذ لا مانع لمنعه من ذلك ، كيف وقد أعطاه من الآيات ما لا غاية بعدها ؛ كالعصا ، واليد ، والطوفان ، وغير ذلك ؛ وبالجملة فهذا التأويل لا وجه له.
الاعتراض الثالث :
وهو منع الملازمة ولو لم تكن الرؤية جائزة ، ما طلبها.
قالوا : إن موسى ـ عليهالسلام ـ سأل ربه رؤية ذاته ، وليس في ذلك ما يدل على إمكانها ؛ لأنه لم يسأل لنفسه ؛ لعلمه بامتناعها ، بل سألها لقومه عندما قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) فسألها ربه وهو عالم بأنه سيمنع منها ، وإنما نسبه لنفسه ، ليمنع هو منها ، فيعلم قومه امتناعها بالنسبة إليهم بالطريق الأولى ، وفي هذا مبالغة بقطع دابر اقتراحهم ، كما أن أخذ الصاعقة لهم عقب سؤالها دليل ظاهر على استحالتها.
وأجيب على هذا الاعتراض بعدة أجوبة.
أولا : أن الآية صريحة في أنه طلبها لنفسه لا لقومه ، وإلا يقال : أرهم ينظروا إليك ، ولقال الله تعالى : لن يروني ، فالعدول عن ذلك خلاف الظاهر ، ولا دليل يدل عليه.
ثانيا : لو كان الغرض من السؤال إظهار امتناعها لهم كما يقول المعتزلة ، لكان الأليق في الجواب أن يكون بما يدل على الامتناع ، وليس كذلك ، فإن (لَنْ تَرانِي) إنما يدل على نفي الوقوع للمخاطب ، لا على نفي الإمكان.
ثالثا : لو كان الغرص من سؤال موسى ـ عليهالسلام ـ الرؤية زجر القوم وردعهم عن طلب ما لا يليق بجلال الله تعالى ، لكان موسى عليهالسلام عابثا في طلبه هذا ؛ لأنهم زجروا عن طلبها حين قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) بأخذ الصاعقة لهم ، فتبينوا امتناعها ، فيكون قول موسى عليهالسلام (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) سؤالا لنفسه لا لقومه ، على أن هذا السؤال ليس بمفيد لهم ؛ لأن هؤلاء إن كانوا مؤمنين ، كفاهم قول موسى : إنها ممتنعة ، بل كان الواجب عليه أن يزجرهم ويردعهم عن طلب ما لا يليق بجلال الباري ـ تعالى ـ ، كما هو شأنه ؛ فقد قال لهم : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) حينما قالوا : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) وإن كانوا كافرين معاندين منكرين ، لم يكفهم قول موسى ـ عليهالسلام ـ : إنه ـ تعالى ـ أخبر بامتناعها ، بل هذا قول افتريته على الله ـ تعالى ـ وكيف يقبلون مجرد إخباره مع إنكارهم الأخبار المؤيدة بالمعجزات الباهرة ، والتعليل بأنه يجوز أن يسمعوا كلام الله بآذانهم ، ويكون هناك ـ