لأنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير أن عهد «بختنصّر» كان قبل مولد المسيح ـ عليهالسلام ـ بدهر طويل ، والنصارى كانوا بعد المسيح ، فكيف يكونون مع بختنصّر في تخريب «بيت المقدس»؟
وأيضا فإن النصارى يعتقدون في تعظيم «بيت المقدس» مثل اعتقاد اليهود وأكثر ، فكيف أعانوا على تخريبه.
وقيل : نزلت في مشركي العرب الذين منعوا الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن الدعاء إلى الله ب «مكة» وألجئوه إلى الهجرة ، فصاروا مانعين له ولأصحابه أن يذكروا الله في المسجد الحرام ، وقد كان الصديق ـ رضي الله عنه ـ بنى مسجدا عند داره ، فمنع وكان ممن يؤذيه ولدان قريش ونساؤهم.
وقيل : إن قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) [الإسراء : ١١٠] نزلت في ذلك ، فمنع من الجهر لئلا يؤذى ، وطرح أبو جهل العذرة على ظهر النبي صلىاللهعليهوسلم فقيل : ومن أظلم من هؤلاء المشركين الذين يمنعون المسلمين الذين يوحّدون الله ولا يشركون به شيئا ، ويصلون له تذللا ، وخشوعا ، ويشغلون قلوبهم بالفكر فيه ، وألسنتهم بالذكر له ، وجميع جسدهم بالتذلّل لعظمته وسلطانه.
وقال أبو مسلم : المراد منه الذين صدّوه عن المسجد الحرام حين ذهب إليه من «المدينة»
عام «الحديبية» ، واستشهد بقوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الفتح : ٢٥] وحمل قوله تعالى : (إِلَّا خائِفِينَ) بما يعلي الله تعالى من يده ، ويظهر من كلمته ، كما قال في المنافقين : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [الأحزاب : ٦٠ ـ ٦١].
[فإن قيل : كيف يجوز حمل لفظ المساجد على مسجد واحد؟
والجواب : أن هذا كمن يقول : من أظلم ممن آذى صالحا واحدا ، ومن أظلم ممّن آذى الصالحين.
أو يقال : إن المسجد موضع السجود ، والمسجد الحرام لا يكون في الحقيقة مسجدا واحدا](١).
قال ابن الخطيب : وعندي فيه وجه خامس ، وهو أقرب إلى رعاية النظم ، وهو أن يقال : إنه لما حولت القبلة إلى الكعبة شقّ ذلك على اليهود ، فكانوا يمنعون النّاس عن الصّلاة عند توجّههم إلى الكعبة ، ولعلّهم أيضا سعوا في تخريب الكعبة بأن حملوا بعض الكفار على تخريبها ، وسعوا أيضا في تخريب مسجد الرّسول صلىاللهعليهوسلم لئلا يصلوا فيه متوجّهين إلى القبلة ، فعابهم الله بذلك ، وبيّن سوء طريقتهم فيه.
__________________
(١) سقط في ب.