فإن قيل : المراد به الحجّ لقوله : «بعد عامهم هذا» لأن الحجّ إنما يفعل في السنة مرة واحدة.
فالجواب من وجوه :
أحدها : أنه ترك للظّاهر من غير موجب.
الثّاني : ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بكون ذلك الوصف علّة لذلك الحكم ، وهذا يقتضي أن المانع من قربهم من المسجد الحرام نجاستهم ، [وذلك يقتضي أنهم ما داموا مشركين كانوا ممنوعين عن المسجد الحرام](١).
الثالث : أنه ـ تعالى ـ لو أراد الحج لذكر من البقاع ما يقع فيه معظم أركان الحج وهو «عرفة».
الرابع : الدّليل على أن المراد دخول الحرم لا الحج فقط قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [التوبة : ٢٨] فأراد به الدخول للتجارة.
ومنها قوله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) وهذا يقتضي أن يمنعوا من دخول المساجد ، وأنهم متى دخلوا كانوا خائفين من الإخراج إلّا ما قام عليه الدليل.
فإن قيل : هذه الآية مخصوصة بمن خرب «بيت المقدس» ، أو بمن منع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من العبادة في الكعبة.
وأيضا يحتمل أن يكون خوف الجزية والإخراج.
فالجواب عن الأول : أن الآية ظاهرة في العموم فتخصيصه ببعض الصور خلاف الظاهر ، وعن الثاني أن الآية تدل على أن الخوف إنما حصل من الدخول ، وعلى ما يقولونه لا يكون الخوف متولدا من الدخول ، بل من شيء آخر.
ومنها [أن الحرم واجب التعظيم والتكريم والتشريف والتفخيم ، وأن صونه عمّا يوجب تحقيره واجب ، وتمكين الكفّار من الدخول فيه تفويض له بالتحقير ؛ لأنهم لفسادهم ربما استخفّوا به ، وأقدموا على تلويثه وتنجيسه.
ومنها أنه تعالى](٢) أمر بتطهير البيت في قوله : (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) [البقرة : ١٢٥] والمشرك نجس لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ).
والتطهير على النجس واجب ، فيكون تبعيد الكافر عنه واجبا ، وبأنا أجمعنا على أن الجنب يمنع منه ، فالكافر بأن يمنع منه أولى.
واحتج أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ بأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما قدم عليه وفد
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.