وقد يتعدّى بنفسه ؛ كقوله : [الوافر]
٤٦١ ـ وجدنا نهشلا فضلت فقيما |
|
كفضل ابن المخاض على الفصيل (١) |
فعدّاه بنفسه ، وب «عن» ، وفعله «فضل» بالفتح ـ «يفضل» ـ بالضم ـ ك : «قتل ـ يقتل».
وأما الذي معناه «الفضلة» من الشيء ، وهي : البقيّة ففعله أيضا كما تقدم.
ويقال فيه أيضا : «فضل» بالكسر «يفضل» بالفتح ك : «علم ـ يعلم» ، ومنهم من يكسرها في الماضي ، ويضمّها في المضارع ، وهو من التّداخل بين اللغتين.
فإن قيل : قوله : (أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) يلزم منه أن يكونوا أفضل من محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وذلك باطل.
والجواب من وجوه :
أحدها : قال قوم : العالم عبارة عن الجمع الكثير من النّاس كقولك : رأيت عالما من النّاس ، والمراد منه الكثرة ، [وهذا](٢) ضعيف ؛ لأن لفظ العالم مشتقّ من العلم وهو الدليل ، فكل ما كان دليلا على الله ـ تعالى ـ فإنه عالم ، وهذا تحقيق قول المتكلمين : العالم كلّ موجود سوى الله.
وثانيها : المراد فضلتكم على عالمي زمانكم ، فإن الشّخص الذي لم يوجد بعد ليس من جملة العالمين ، ومحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما كان موجودا في ذلك الوقت ، فما كان ذلك الوقت من العالمين ، فلا يلزم من كون بني إسرائيل أفضل العالمين في ذلك الوقت كونهم أفضل من محمد ، وهذا هو الجواب أيضا عن قوله تعالى : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ٢٠] ، وقال : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) [الدخان : ٣٢] ، أراد به عالمي ذلك الزمان.
وثالثها : قوله : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) عام في العالمين ، لكنه مطلق في الفضل ، والمطلق يكفي في صدقه صورة واحدة ، فالآية تدلّ على أن بني إسرائيل فضّلوا على كل العالمين في أمر ما ، وهذا لا يقتضي أن يكونوا أفضل من كلّ العالمين في كل الأمور ، بل لعلهم ، وإن كانوا أفضل من غيرهم في أمر واحد ، فغيرهم يكون أفضل منهم فيما عدا ذلك الأمر ، وعند ذلك يظهر أنه لا يصحّ الاستدلال بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٣٣] على أن الأنبياء أفضل من الملائكة.
__________________
(١) البيت للفرزدق ينظر ديوانه ٢ / ٩٦ ، وشرح أبيات سيبويه : ١ / ٥١٣ ، والكتاب : ٢ / ٩٨ ، وله أو لجرير في لسان العرب [مخض] ، شرح المفصل : ١ / ٣٥ ، والمقتضب : ٤ / ٤٦ ، وابن يعيش : ١ / ٣٥ ، والدر المصون : ١ / ٢١٤.
(٢) سقط في ب.