تطهيره من الشرك ، ومن كل ما لا يليق به ، وذكر المفسّرون وجوها :
أحدها : أن معنى «طهّرا بيتي» ابنياه وطهّراه من الشرك ، وأسّساه على التقوى.
وثانيهما : عرّفا الناس أن بيتي طهرة لهم متى حجّوه ، وزاروه وأقاموا به.
ومجازه : اجعلاه طاهرا عندهم ، كما يقال : فلان يطهر هذا ، وفلان ينجسه.
وثالثها : ابنياه ، ولا تدعا أحدا من أهل الريب أو الشرك يزاحم الطّائفين فيه ، بل أقرّاه على طهارته من أهل الكفر والريب كما يقال : طهر الله الأرض من فلان ، وهذه التأويلات مبنيّة على أنه لم يكن هناك ما يوجب إيقاع تطهيره من الأوثان والشرك ، وهو كقوله تعالى : (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) [البقرة : ٢٥] فمعلوم أنهنّ لم يطهرن عن نجس ، بل خلقن طاهرات ، وكذا البيت المأمور بتطهيره خلق طاهرا.
ورابعها : معناه : أن نظّفا بيتي من الأوثان والشرك والمعاصي ، ليقتدي الناس بكما في ذلك.
وخامسها : قال بعضهم : إن موضع البيت قبل البناء كان يلقى فيه الجيف والأقذار ، فأمر الله ـ تعالى ـ إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بإزالة تلك القاذورات وبناء البيت هناك ، وهذا ضعيف ؛ لأن قبل البناء ما كان البيت موجودا ، فتطهير تلك العرصة لا يكون تطهيرا للبيت ، ويمكن أن يجاب عنه بأنه سماه بيتا ، لأنه علم أن مآله إلى أن يصير بيتا لكنه مجاز.
قوله تعالى : (لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
الطائفين : الدّائرين حوله والعاكفين المقيمين الملازمين.
والرّكع» ، جمع «راكع».
والعكوف لغة : اللزوم واللبث ؛ قال : [الوافر]
٧٨١ ـ .......... |
|
عليه الطّير ترقبه عكوفا (١) |
وقال : [الرجز]
٧٨٢ ـ عكف النّبيط يلعبون الفنزجا (٢)
__________________
(١) عجز بيت للمرار الأسدي وصواب إنشاده :
أنا ابن التارك البكريّ بشر |
|
عليه الطّير ترقبه وقوعا |
ينظر الكتاب : ١ / ١٨٢ ، الخزانة : ٢ / ١٩٣ ، شرح المفصل لابن يعيش : ٣ / ٧٢ ، والدر المصون : ١ / ٣٦٥ ، وليس ثمة من رواه «عكوفا» كما رواه المؤلف إلا ما ذكره صاحب الدر المصون.
(٢) البيت للعجاج. ينظر ديوانه : ٢ / ٢٤ ، القرطبي : ٢ / ٧٨ ، المحرر الوجيز : ١ / ٢٠٨ ، الدر المصون : ١ / ٣٦٦.