قال الزمخشري (١) : و (شَيْئاً) مفعول به على أن تجزي بمعنى «تقضي» ، أي : لا تقضي نفس عن غيرها شيئا من الحقوق ، ويجوز أن يكون في موضع مصدر ، أي : قليلا من الجزاء كقوله : (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) [مريم : ٦٠] ، أي : شيئا من الجزاء ؛ لأن الجزاء شيء ، فوضع العام موضع الخاص.
واجتزأت بالشّيء اجتزاء : اكتفيت ، قال الشاعر : [الوافر]
٤٦٢ ـ بأنّ الغدر في الأقوام عار |
|
وأنّ الحرّ يجزأ بالكراع (٢) |
أي : يجتزىء به.
والجملة في محلّ نصب صفة ل «يوما» ، والعائد محذوف ، والتقدير : لا تجزي فيه ، ثم حذف الجار والمجرور ، لأن الظروف يتّسع فيها ما لا يتّسع في غيرها ، وهذا مذهب «سيبويه».
وقيل : بل حذف بعد حذف حرف الجرّ ، ووصول الفعل إليه فصار : لا تجزيه ؛ كقوله : [الطويل]
٤٦٣ ـ ويوم شهدناه سليما وعامرا |
|
قليل سوى الطّعن النّهال نوافله (٣) |
ويعزى للأخفش ، إلّا أن «المهدوي» نقل أن أن الوجهين المتقدّمين جائزان عند الأخفش وسيبويه والزجاج ؛ ويدلّ على حذف عائد الموصوف إذا كان منصوبا قوله : [الوافر]
٤٦٤ ـ فما أدري أغيّرهم قناء |
|
وطول الدّهر أم مال أصابوا؟ (٤) |
أي : أصابوه ، ويجوز عند الكوفيين أن يكون التقدير : يوما يوم لا تجزي نفس ، فيصير كقوله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ) [الانفطار : ١٩] ، ويكون «اليوم» الثاني بدلا من يوما الأول ، ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير عائد ؛ لأن الظرف متى أضيف إلى الجملة
__________________
(١) ينظر الكشاف : ١ / ١٣٥.
(٢) البيت لأبي حنبل بن مر الطائي ينظر شرح شواهد الإيضاح : ص ٤١٢ ، والشعر والشعراء : ١ / ١٢٤ ، لسان العرب (جزأ) ، الدر المصون : ١ / ٢١٥.
(٣) البيت لرجل من بني عامر في الدرر ٣ / ٩٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٤٦ ، ولسان العرب [جزي] ، والأشباه والنظائر ١ / ٣٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٨١ و ٨ / ٢٠٢ و ١٠ / ١٧٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٨٨ ، مغني اللبيب ٢ / ٥٠٣ ، والمقتضب ٣ / ١٠٥ ، والمقرب ١ / ١٤٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٣ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٦ ، الكامل ٢١ والدر المصون ١ / ٢١٤.
(٤) البيت للحارث بن كلدة ينظر الأزهية : ص ١٣٧ ، والكتاب : ١ / ٨٨ ، وشرح أبيات سيبويه : ١ / ٣٦٥ ، ولجرير في المقاصد النحوية : ٤ / ٦٠ ، وليس في ديوانه ، والرد على النحاة : ص ١٢١ ، وشرح ابن عقيل : ص ٤٧٦ ، وشرح المفصل : ٦ / ٨٩ ، والكتاب : ١ / ١٣٠ ، الدر المصون : ١ / ٢١٥.