وسادسها : البيان والدّلالة تقول : جعلت كلام فلان باطلا إذا أوردت [من الحجة](١) ما يبين بطلان ذلك. إذا ثبت ذلك فنقول : لم لا يجوز أن يكن المراد وصفهما بالإسلام ، والحكم لهما بذلك كما يقال : جعلني فلان لصّا ، وجعلني فاضلا أديبا إذا وصفه بذلك سلّمنا أن المراد من الجعل الخلق ، لكن لم لا يجوز أن يكون المراد منه خلق الألطاف الداعية لهما إلى الإسلام ، وتوفيقهما لذلك؟ فمن وفّقه الله لهذه الأمور حتى يفعلها ، فقد جعله الله مسلما له ، ومثاله من يؤدّب ابنه حتى يصير أديبا ، فيجوز أن يقال : صيّرتك أديبا ، وجعلتك أديبا ، وفي خلاف ذلك يقال : جعل ابنه لصّا محتالا.
سلمنا أن ظاهر الآية الكريمة يقتضي كونه ـ تعالى ـ خالقا للإسلام ، لكنه على خلاف الدّلائل العقلية ، فوجب ترك القول به.
وإنما قلنا [إنه](٢) على خلاف الدّلائل العقلية ؛ لأنه لو كان فعل العبد خلقا لله ـ تعالى ـ لما استحق العبد به مدحا ولا ذمّا ، ولا ثوابا ولا عقابا ، ولوجب أن يكون الله ـ تعالى ـ هو المسلم المطيع لا العبد.
والجواب : قوله : الآية متروكة الظاهر.
[قلنا](٣) : لا نسلّم وبيانه من وجوه :
الأول : أن الإسلام عرض قائم بالقلب ، وأنه لا يبقى زمانين فقوله : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) أي : اخلق هذا العرض ، فينافي الزمان المستقبل دائما ، وطلب تحصيله في الزمان المستقبل لا ينافي حصوله في الحال.
الثاني : أن يكون المراد منه الزّيادة في الإسلام كقوله : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) [الفتح : ٤] (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] ويؤيد هذا قوله تعالى (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠] فكأنهما دعواه بزيادة اليقين والتصديق ، وطلب الزيادة لا ينافي حصول الأصل في الحال.
الثالث : أن «الإسلام» إذا أطلق يفيد الإيمان والاعتقاد أما إذا أضيف بحرف «اللام» كقوله : (مُسْلِمَيْنِ لَكَ) ، فالمراد الاستسلام له والانقياد والرّضا بكل ما قدر [وترك المنازعة في أحكام الله ـ تعالى ـ وأقضيته ، فلقد كانا عارفين مسلمين لكن لعله بقي في قلوبهما نوع من المنازعة الحاصلة بسبب البشرية ، فأراد أن يزيل الله ذلك عنهما بالكلية ليحصل لهما مقام الرضا بالقضاء على سبيل الكمال](٤) فثبت بهذه الوجوه أن الآية ليست متروكة الظاهر.
قوله : يحمل الجعل على الحكم بذلك فلا نسلم أن الموصوف إذا حصلت الصفة
__________________
(١) في أ : حجة.
(٢) في أ : إن الآية الكريمة.
(٣) في أ : فالجواب.
(٤) سقط في أ.