وقال بعضهم : هي هنا بصرية قلبية معا ؛ لأن الحج لا يتم إلّا بأمور منها ما هو معلوم ومنها ما هو مبصر.
ويلزمه على هذا الجمع بين الحقيقة والمجاز ، أو استعمال المشترك في معنييه معا.
وقرأ الجمهور : (أَرِنا) بإشباع كسر «الراء» هنا ، وفي [النساء : ١٥٣] وفي [الأعراف : ١٤٣] (أَرِنِي أَنْظُرْ ،) وفي [فصلت : ٢٩] (أَرِنَا الَّذَيْنِ).
وقرأ ابن كثير (١) بالإسكان في الجميع ، ووافقه في «فصلت» ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، واختلف عن أبي عمرو ، فروي عن السوسي موافقة ابن كثير بالإسكان في الجميع ، وروى عنه الدّوري اختلاس الكسر فيها.
أما الكسر فهو الأصل.
وأما الاختلاس فحسن مشهور.
وأما الإسكان فللتخفيف ، شبهوا المتصل بالمنفصل فسكنوا كسره ، كما قالوا في فخذ : فخذ ، وكتف : كتف.
وقد غلط قوم راوي هذه القراءة.
وقالوا : صار كسر الراء دليلا على الهمزة المحذوفة ، فإن أصله : «أرئنا» ثم نقل.
قال الزمخشري تابعا لغيره : قال الفارسي : التغليط ليس بشيء لأنها قراءة متواترة ، وأما كسرة الراء فصارت كالأصل ؛ لأن الهمزة مرفوضة الاستعمال.
وقال أيضا : ألا تراهم أدغموا في (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٣٨] ، والأصل : «لكن أنا» نقلوا الحركة ، وحذفوا ، ثم أدغموا ، فذهاب الحركة في «أرنا» ليس بدون ذهابها في الإدغام ، وأيضا فقد سمع الإسكان في هذا الحرف نصّا عن العرب ؛ قال القائل : [البسيط]
٧٩١ ـ أرنا إداوة عبد الله نملؤها |
|
من ماء زمزم إنّ القوم قد ظمئوا (٢) |
وأصل أرنا : أرئنا ، فنقلت حركة «الهمزة» إلى «الراء» وحذفت هي ، وقد تقدم الكلام بأشبع من هذا عند قوله : (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة : ٥٥].
و «المناسك» واحدها : «منسك» بفتح العين وكسرها ، وقد قرىء بهما (٣) والمفتوح هو المقيس لانضمام عين مضارعه.
__________________
(١) انظر الحجة للقراء السبعة : ٢ / ٢٢٣ ، وحجة القراءات : ١١٤ ، والعنوان : ٧١ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٦٩ ـ ٧١ ، وشرح شعلة : ٢٧٧ ، وإتحاف : ١ / ٤١٨.
(٢) ينظر البحر : ١ / ٥٦١ ، القرطبي : ٢ / ٨٧ ، روح المعاني : ١ / ٣٨٦ ، الدر المصون : ١ / ٣٧٢.
(٣) ستأتي في الحج ٣٤.