ومنها : قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : ١١] فلو كان الجدّ أبا لكان ابن الابن ابنا لا محالة ، فكان يلزم بمقتضى هذه الآية حصول الميراث لابن الابن مع قيام الابن ، ولما لم يكن كذلك علمنا أن الجد ليس بأب.
وأما الجواب عن الآية الكريمة فمن وجهين :
الأول : أنه قرأ أبيّ (١) : «وإله إبراهيم» بطرح «آبائك» إلّا أنّ هذا لا يقدح في الغرض ؛ لأن القراءة الشاذّة لا تدفع القراءة المتواترة.
بل الجواب أن يقال : إنّه أطلق لفظ الأب على الجدّ وعلى العمّ.
وقال عليه الصلاة والسلام في العبّاس : «هذا بقيّة آبائي».
وقال : «ردّوا عليّ أبي ، فإنّي أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود» ، فدلنا ذلك على أنّه ذكره على سبيل المجاز ، ولو كان حقيقة لما كان كذلك.
وأمّا قول ابن عباس فإنما أطلق الاسم عليه نظرا إلى الحكم الشرعي ، لا إلى الاسم اللغوي ؛ لأن اللغات لا يقع الخلاف فيها بين أهل اللّسان.
قوله : (إِلهاً واحِداً) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّه بدل من «إلهك» بدل نكرة موصوفة من معرفة كقوله : (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) [العلق : ١٥ ـ ١٦].
والبصريون لا يشترطون الوصف مستدلين بقوله : [الوافر]
٨٠٥ ـ فلا وأبيك خير منك إنّي |
|
ليؤذيني التّحمحم والصّهيل (٢) |
ف «خير» بدل من «أبيك» ، وهو نكرة غير موصوفة.
والثاني : أنّه حال من «إلهك» والعامل فيه «نعبد» ، وفائدة البدل والحال التنصيص على أنّ معبودهم فرد إذ إضافة الشيء إلى كثير توهم تعداد المضاف ، فنصّ بها على نفي ذلك الإبهام. وهذه الحال تسمى «حالا موطّئة» ، وهي أن تذكرها ذاتا موصوفة ، نحو : جاء زيد رجلا صالحا.
الثالث ، وإليه نحا الزّمخشريّ : أن يكون منصوبا على الاختصاص ، أي : نريد بإلهك إلها واحدا.
قال أبو حيّان رحمهالله : وقد نصّ النحويون على أن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرة ولا مبهما.
__________________
(١) ينظر القراءة السابقة.
(٢) ينظر خزانة الأدب : ٥ / ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ولسان العرب (أذن) ، ونوادر أبي زيد : ص ١٢٤ ، وشرح عمدة الحافظ : ص ٥٨١ ؛ والمقرب : ١ / ٢٤٥. والدر المصون ١ / ٣٨٠.