ومعنى هذا الوجه أن الإنسان موسوم في تركيبه وبنيته بالعجز والفاقة ، والآثار الشاهدة عليه بالحدوث والافتقار إلى الخالق ، فهذه الآثار كالصبغة له وكالسّمة اللّازمة. [قال القاضي رحمهالله تعالى : من حمل قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ) على الفطرة فهو مقارب في المعنى لقول من يقول : هو دين الله ؛ لأن الفطرة التي أمروا بها هو الدين الذي تقتضيه الأدلّة من عقل وشرع ، وهو الدين أيضا الذي ألزمكم الله ـ تعالى ـ التمسّك به ، فالنفع به سيظهر دنيا ودين ، كظهور حسن الصبغة ، وإذا حمل الكلام على ما ذكرنا ، لم يكن لقول من يقول إنما قال ذلك لعادة جارية لليهود والنصارى ، وفي صبغ يستعملونه في أولادهم معنى ؛ لأن الكلام إذا استقام على أحسن الوجوه بدونه ، فلا فائدة فيه](١).
القول الثالث : أن صبغة الله هي الختان ، الذي هو تطهير ، أي كما أن المخصوص الذي للنصارى تطهير لهم ، فكذلك الختان تطهير للمسلمين قاله أبو العالية.
القول الرابع : قال الأصم رحمهالله تعالى : إنه حجة الله.
القول الخامس : قال أبو عبيدة رحمهالله تعالى : إنه سنة الله.
وأما قراءة الرفع فتحتمل وجهين :
أحدهما : أنها خبر مبتدأ محذوف أي : ذلك الإيمان صبغة الله.
والثاني : أن تكون بدلا من «ملّة» ؛ لأن من رفع «صبغة» رفع «ملة» كما تقدم فتكون بدلا منها كما قيل بذلك في قراءة النصب.
قال القرطبي رحمهالله تعالى : وقيل : الصّبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام ، بدلا من معمودية النصارى ، ذكر ذلك الماوردي رحمهالله تعالى. وعلى هذا التأويل يكون غسل الكافر واجبا ، وبهذا المعنى جاءت السّنة الثابتة في قيس بن عاصم وثمامة بن أثال حين أسلما.
وقيل : إن القربة إلى الله تعالى يقال لها : صبغة ؛ حكاه ابن فارس في «المجمل».
قوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ) مبتدأ وخبر ، وهذا استفهام معناه النفي أي : لا أحد ، و «أحسن» هنا فيها احتمالان :
أحدهما : أنها ليست للتفضيل ؛ إذ صبغة غير الله منتف عنها الحسن.
والثاني : أن يراد التفضيل باعتبار من يظنّ أن في «صبغة» غير الله حسنا لا أن ذلك بالنسبة إلى حقيقة الشيء.
و «من الله» متعلق بأحسن ، فهو في محل نصب.
و «صبغة» نصب على التمييز من أحسن ، وهو من التمييز المنقول من المبتدأ
__________________
(١) سقط في ب.