ونظيره قوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٤ ـ ١٥] ، (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] ، (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] ، (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) [هود : ٣٨].
وثانيها : اليهود تصبغ أولادها يهودا ، والنصارى تصبغ أولادها نصارى بمعنى يلقونهم ، فيصبغونهم بذلك لما يشربون في قلوبهم.
عن قتادة قال ابن الأنباري رحمهالله يقال : فلان يصبغ فلانا في الشيء ، أي : يدخله فيه ، ويلزمه إياه كما يجعل الصبغ لازما للثوب. وأنشد ثعلب : [الطويل]
٨١٧ ـ دع الشّرّ وانزل بالنّجاة تحرّزا |
|
إذا أنت لم يصبغك بالشّرع صابغ (١) |
وثالثها : سمي الدين صبغة ؛ لأن هيئته تظهر بالمشاهدة من أثر الطّهارة والصلاة قال الله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح : ٢٩].
[وقال مجاهد والحسن وأبو العالية وقتادة رضي الله تعالى عنهم : أصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم فيما يسمونه المعمودية ، وصبغوه بذلك ليطهروه به ، وكأنه الختان ؛ لأن الختان تطهير ، فلما فعلوا ذلك قالوا : الآن قد صار نصرانيا حقّا ، فرد الله تعالى عليهم بقوله : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً)(٢) وهي الإسلام فسمى الإسلام صبغة استعارة ومجازا من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر أثر الصبغ في الثوب.
قال بعض شعراء ملوك «همدان» : [المتقارب]
٨١٨ ـ وكلّ أناس لهم صبغة |
|
وصبغة همدان خير الصّبغ |
صبغنا على ذاك أبناءنا |
|
فأكرم بصبغتنا في الصّبغ (٣)](٤) |
ورابعها : قال القاضي : قوله : (صِبْغَةَ اللهِ) متعلّق بقوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) [البقرة : ١٣٦] إلى قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فوصف هذا الإيمان منهم بأنه صبغة الله تعالى ؛ ليبيّن أن المباينة بين هذا الدين الذي اختاره الله ، وبين الدّين الذي اختاره المبطل ظاهرة جلية ، كما تظهر المباينة بين الألوان والأصباغ لذي الحسّ السليم.
القول الثاني : أن صبغة الله فطرته ، وهو كقوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم : ١٣٦].
__________________
(١) ينظر الرازي : ٤ / ٧٩.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١١٧ ـ ١١٨ ، ١١٩) عن مجاهد والحسن وقتادة وذكره السيوطي بمعناه في «الدر المنثور» (١ / ٢٥٩) عن قتادة ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم وابن المنذر.
(٣) ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٨٣ ، القرطبي : ٢ / ٩٨.
(٤) سقط في ب.