عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فنحن أحقّ وأولى بموسى منكم» ، فصامه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر بصيامه. وأخرجه البخاري أيضا عن ابن عباس ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : «أنتم أحقّ بموسى منهم فصوموا» (١).
فظاهر هذا أنه صلىاللهعليهوسلم إنما صامه اقتداء بموسى ـ عليهالسلام ـ على ما أخبره اليهود ، وليس كذلك ، لما روته عائشة قالت : «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصومه في الجاهلية ، فلما قدم «المدينة» صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك صيام يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه». متّفق عليه.
فإن قيل : يحتمل أن تكون قريش إنما صامته ؛ لأن اليهود أخبروهم ، وكانوا عندهم أصحاب علم ، فصامه النبي صلىاللهعليهوسلم كذلك في الجاهلية ، أي ب «مكة» ، فلما قدم «المدينة» ، ووجد اليهود يصومونه قال : «نحن أحقّ وأولى بموسى منكم» ، فصامه اتّباعا لموسى.
فالجواب : أن هذا مبني على أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كان متعبدا بشريعة (٢) موسى عليه الصلاة والسلام ، وليس كذلك.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٣ / ٩٦) كتاب الصوم باب صيام يوم عاشوراء حديث رقم (٢٠٠٤). ومسلم في الصحيح (٢ / ٧٩٦) كتاب الصيام (١٣) باب صوم يوم عاشوراء (١٩) حديث رقم (١٢٨ / ١١٣٠).
وأحمد في المسند (١ / ٢٩١ ، ٣١٠) ـ والبيهقي في السنن (٤ / ٢٨٦) وذكره الزيلعي في نصب الراية ٢ / ٤٥٤ ـ وابن كثير في التفسير ١ / ٢٩ والسيوطي في الدر المنثور ١ / ٦٩ ، ٦ / ٣٤٤.
(٢) وقد اختلفوا في ذلك على مذاهب :
أحدها : أنه كان متعبّدا بشرع قطعا ، ثم اختلفوا : فقيل : كان على شريعة آدم ـ عليهالسلام ـ ؛ لأنه أول الشرائع. وقيل : نوح ؛ لقوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [سورة الشورى : ١٣] وقيل : إبراهيم ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) [سورة آل عمران : ٦٨] ، وحكاه الرافعي في «كتاب السير» عن صاحب «البيان» ، وأقرّه. وقال الواحدي : إنه الصحيح قال ابن القشيري في «المرشد» وعزي للشّافعي وقال الأستاذ أبو منصور : وبه نقول. وحكاه صاحب «المصادر» عن أكثر أصحاب أبي حنيفة ، وإليه أشار أبو علي الجبّائي. وقيل : على شريعة موسى. وقيل : عيسى ؛ لأنه أقرب الأنبياء إليه ؛ ولأنه الناسخ المتأخر ، وبه جزم الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني فيما حكاه الواحدي عنه. لكن قال ابن القشيري في «المرشد» : ميل الأستاذ أبي إسحاق إلى أن نبينا محمدا صلىاللهعليهوسلم كان على شرع من الشرائع ، ولا يقال : كان من أمة ذاك النبي ؛ كما يقال : كان على شرعه. (انتهى). وقيل : كان متعبدا بشريعة كل من قبله ، إلا ما نسخ واندرس ، حكاه صاحب «الملخّص». وقيل : يتعبد لا ملتزما دين واحد من المذكورين ، حكاه النووي ـ رحمهالله تعالى ـ في زوائد «الروضة». وقيل : كان متعبدا بشرع ، ولكنّا لا ندري بشرع من تعبّد ، حكاه ابن القشيري.
والمذهب الثاني : أنه لم يكن قبل البعثة متعبّدا بشيء منها قطعا ، وحكاه في «المنخول» عن إجماع المعتزلة. وقال القاضي في «مختصر التقريب» ، وابن القشيري : هو الذي صار إليه جماهير المتكلمين. ثم اختلفوا : فقالت المعتزلة بإحالة ذلك عقلا ؛ إذ لو تعبد باتباع أحد ، لكان عصى من مبعثه ، بل كان ـ