بخلاف الطيور المأكولة ، فإنها ليست مخالفة للعادة ، فإنها مألوفة الأكل.
«كلوا» هذا على إضمار القول ، أي : وقلنا لهم : كلوا ، وإضمار القول كثير ، ومنه قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣] أي : يقولون سلام ، (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا) [الزمر : ٣] أي : يقولون : ما نعبدهم إلّا. (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] أي : فيقال لهم : أكفرتم ، وتقدم الكلام في كل تصريفه.
قوله : (مِنْ طَيِّباتِ) من : لابتداء الغاية ، أو للتبعيض.
وقال : «أبو البقاء» : أو لبيان الجنس. والمفعول محذوف ، أي : كلوا شيئا من طيبات. وهذا ضعيف ؛ لأنه كيف يبين شيء ثم يحذف.
قوله : (ما رَزَقْناكُمْ) يجوز في «ما» أن تكون بمعنى الّذي ، وما بعدها حاصلة لها ، والعائد محذوف ، أي : رزقناكموه ، وأن تكون نكرة موصوفة.
فالجملة لا محلّ لها على الأول ، ومحلّها الجر على الثّاني ، والكلام في العائد كما تقدّم ، وأن تكون مصدرية ، والجملة صلتها ، ولم تحتج إلى عائد على ما عرف قبل ذلك ، ويكون هذا المصدر واقعا موقع المفعول ، أي : من طيبات مرزوقنا.
قوله : (أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
«أنفسهم» مفعول مقدم ، و «يظلمون» في محل نصب خبر «كانوا» وقدّم المفعول إيذانا باختصاص الظّلم بهم ، وأنه لا يتعدّاهم.
والاستدراك في «لكن» واضح ، ولا بدّ من حذف جملة قبل قوله : (وَما ظَلَمُونا) ، فقدره ابن عطية : فعصوا ، ولم يقابلوا النعم بالشكر.
وقال «الزمخشري» : تقديره فظلمونا (١) بأن كفروا هذه النعم ، وما ظلمونا ، فاختصر الكلام بحذفه لدلالة (وَما ظَلَمُونا) عليه.
فإن قيل : قوله : (وَما ظَلَمُونا) جملة خبرية ، فكيف عطفت على قوله : «كلوا» ، وهي جملة أمرية؟.
فالجواب من وجهين :
الأول : أن هذه جملة مستأنفة لا تعلّق لها بما قبلها.
والثاني : أنّها معطوفة على الجملة القولية المحذوفة أي : وقيل لهم : كلوا من طيبات ما رزقناكم ، وما ظلمونا ، فيكون قد عطف جملة خبرية على خبريّة.
و «الظلم» : وضع الشيء في غير موضعه.
__________________
(١) في ب : فظلموا.