قوله : (مِنْ رَحْمَةٍ) تبيين (١) أو حال من (٢) اسم الشرط ولا يكون صفة ل «ما» لأن اسم الشرط لا يوصف (٣) قال الزمخشري : وتنكير الرحمة للإشاعة والإبهام كأنه قيل : أيّ رحمة كانت سماوية أو أرضية؟ (٤) قال أبو حيان : والعموم مفهوم من اسم الشرط و (مِنْ رَحْمَةٍ) بيان لذلك العام من أي صنف هو وهو مما اجتزىء فيه بالنكرة المفردة عن الجمع المعرف المطابق في العموم لاسم الشرط وتقديره من الرحمات. و «من» في موضع الحال. انتهى (٥).
قوله (وَما يُمْسِكْ) يجوز أن يكون على عمومه أي أيّ شيء أمسكه (٦) من رحمة أو غيرها. فعلى هذا التذكير في قوله له ظاهر لأنه عائد على (ما يُمْسِكْ). ويجوز أن يكون قد حذف المبيّن من الثاني لدلالة الأول عليه تقديره وما يمسك من رحمة فعلى هذا التذكير في قوله : «له» على لفظ «ما» وفي قوله أولا : فلا ممسك لها التأنيث فيه حمل على معنى «ما» لأن المراد به الرحمة فحمل أولا على المعنى وفي الثاني على اللفظ (٧). والفتح والإمساك استعارة حسنة (٨)(وَهُوَ الْعَزِيزُ) فيما أمسك أي كامل القدرة «الحكيم» فيما أرسل أي كامل العلم. قال ـ عليه (الصلاة (٩) و) السلام «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» (١٠).
قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) لما بين أن الحمد لله وبين بعض وجوه النعمة التي تستوجب الحمد على سبيل التفصيل بين النعمة على سبيل الإجمال فقال : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) وهي مع كونها منحصرة في قسمين نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء فقال : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) إشارة إلى نعمة الإيجاد في الابتداء وقال : «يرزقكم» إشارة إلى نعمة الإبقاء بالرزق في الانتهاء(١١).
قوله : (مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) قرأ الأخوان «غير» بالجر نعتا «لخالق» على (١٢) اللّفظ و (مِنْ خالِقٍ) مبتدأ مراد فيه «من» وفي خبره قولان :
أحدهما : هو الجملة من قوله : «يرزقكم».
__________________
(١) قاله العكبري في التبيان ١٠٧٢.
(٢) البحر المحيط ٧ / ٢٩٩.
(٣) السابق.
(٤) انظر : الكشاف.
(٥) البحر المحيط ٧ / ٢٩٩.
(٦) في «ب» : يمسكه بالمضارعة.
(٧) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٦٦ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٦٢ والبحر ٧ / ٢٩٩.
(٨) البحر والكشاف المرجعان السابقان.
(٩) زيادة من «ب».
(١٠) الحديث رواه الإمام مالك في الموطأ قدر برقم ٨ ومسند الإمام أحمد ٣ / ٨٧ و ٤ / ٩٣ و ٩٥ و ٩٧ و ٢٤٥ و ٢٤٧ و ٢٥٠ و ٢٥٤ و ٢٥٥ و ٢٨٧.
(١١) قاله الرازي في «التفسير الكبير» ٢٦ / ٤.
(١٢) ذكرت في الإتحاف ٣٦١ والسبعة ٥٣٤ وزاد المسير ٦ / ٤٧٤.