قوله : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) العامة على الخطاب في «تدعون» لقوله : «ربّكم». وعيسى وسلّام ويعقوب ـ وتروى عن أبي عمرو ـ بياء الغيبة (١) إمّا على الالتفات وإمّا على الانتقال إلى الإخبار. والفرق بينهما أن يكون في الالتفات المراد بالضميرين واحدا بخلاف الثاني فإنهما غيران (٢). و «يملكون» هو خبر الموصول و «من قطمير» مفعول به. و «من» فيه مزيدة (٣). والقطمير المشهور فيه أنه لفافة النّواة. وهو مثل في القلّة كقوله :
٤١٥٧ ـ وأبوك يخصف نعله متورّكا |
|
ما يملك المسكين من قطمير (٤) |
وقيل : هو القمع وقيل : ما بين القمع والنّواة (٥). وقد تقدم أن النّواة أربعة أشياء يضرب بها المثل في القلّة : الفتيل وهو ما في شقّ النّواة ، والقطمير وهو اللفافة والنّقير والثفروق وهو ما بين القمع والنّواة (٦).
قوله : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) يعني الأصنام (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) وهذا إبطال لما كانوا يقولون : إن في عبادة الأصنام عزّة من حيث القرب منها والنظر إليها وعرض الحوائج عليها والله لا يرى ولا يصل إليه أحد فقال مجيبا لهم : إن هؤلاء لا يسمعون كما تظنون فإنهم كانوا يقولون: إن الأصنام تسمع وتعلم ولكن لا يمكنهم أن يقولوا بأنها تجيب لأن ذلك إنكار للمحسوس فقال: (وَلَوْ سَمِعُوا) كما تظنون (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ)(٧).
قوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) أي يتبرءون (٨) منكم ومن عبادتكم إيّاها ويقولون (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ). واعلم أنه لما بين عدم النفع فيهم في الدنيا بين عدم النفع فيهم في الآخرة ووجود الضرر منهم في القيامة بقوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ
__________________
(١) ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٢٣ وكذلك أبو حيان في البحر ٧ / ٣٠٥ ونقل أبو حيان هذا عن ابن جبارة وهو صاحب الكامل في القراءات الخمسين.
(٢) نقله صاحب الدر المصون في تفسيره ٤ / ٤٧٢.
(٣) المرجع السابق والتقدير «والذين تدعون من دونه ما يملكون قطميرا».
(٤) من تمام الكامل ، ولم أعرف قائله ومعنى خصف النّعل وضع بعضها على بعض قال صاحب اللسان : «خصف النعل يخصفها خصفا ظاهر بعضها على بعض وخرزها وهي نعل خصيف وكل ما طورق بعضه على بعض فقد خصف وفي الحديث : أنّه كان يخصف نعله». اللسان ١١٧٤ خ ص ف. وانظر البيت في البحر ٧ / ٣٠٥ فقد أتى به استشهادا على أن القطمير هو لفافة النواة الضعيفة الهيّنة.
(٥) انظر : اللسان «ق ط م ر» ٣٦٨٢ وغريب القرآن ٣٦٠ والقرطبي ١٤ / ٣٣٦ والبحر ٧ / ٣٩٦ وتأويل المشكل ١٠٥ وزاد المسير ٦ / ٤٨١.
(٦) عند قوله : «وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً» الآية ٧٧ من النساء وانظر : اللباب ٢ / ٥٣ ب.
(٧) نقله الرازي عند قوله تعالى : «إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا». وانظر تفسيره ٢٦ / ١٢.
(٨) في «ب» يقهرون وانظر : معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٣٠٠.