يتأول كلامه على أنه أراد أنّ ثمّ محذوفا والتقدير : بشيرا بالوعد الحقّ ونذيرا بالوعيد الحقّ (١) ، قال شهاب الدين : قد صرح الرجل بهذا (٢).
قوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ) أي وما من أمّة فيما مضى. وقوله : (إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) خبر (مِنْ أُمَّةٍ). ومعنى «خلا» أي سلف فيها نذير نبي منذر. وحذف من هذا ما أثبته في الأول ، إذ التقدير: إلّا خلا فيها نذير وبشير (٣).
قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ) أي الكتب (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) أي الواضح. وكرر ذكر الكتاب بعد ذكر الزبر على طريق التأكيد. وقيل : البينات المعجزات ، والزبر : هي الكتب التي فيها مواعظ وشبهات لا تحتمل النّسخ. والمراد بالكتاب المنير الشريعة والأحكام الموافقة (٤) للحكمة الإلهية وهي المحتملة للنسخ. وهذا تسلية للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حيث يعلم أن غيره كان مثله محتملا لأذى القوم وأن غيره أيضا أتاهم بمثل ذلك فكذبوه وآذوه وصبروا على تكذيبهم (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)؟ وهذا سؤال تقرير فإنهم علموا شدة إنكار الله عليهم واستئصالهم (٥).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا
__________________
(١) قاله في البحر ٧ / ٣١٠ مع تقديم وتأخير ففيه : «بالوعد الحق بشيرا وبالوعيد الحق نذيرا».
(٢) الدر المصون ٤ / ٤٧٦ أي صرح في الكشاف المرجع السابق.
(٣) معنى كلام أبي حيان ولفظ السمين. انظر المرجعين السابقين.
(٤) في «ب» الواقعة. خطأ.
(٥) وانظر : معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٣٠١ وتفسير الرازي ٢٦ / ١٨.