يريد : والمؤمن الطير العائذات ، وقول الآخر :
٤١٦٠ ـ وبالطّويل العمر عمرا حيدرا |
|
..........(١) |
يريد : وبالعمر الطويل. والبصريون لا يرون ذلك ويخرجون هذا وأمثاله على أن الثّاني بدل من الأول «فسود والطير والعمر» أبدال مما قبلها (٢). وخرّجها الزّمخشريّ وغيره على أنه حذف الموصوف وقامت صفته مقامه وأن المذكور بعد الوصف دال على الموصوف قال الزمخشري : الغربيب تأكيد للأسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع وأبيض يقق (٣) ، ووجهه أن يضمر المؤكد قبله فيكون الذي بعده تفسيرا لما أضمر كقوله : «والمؤمن العائذات الطير» وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار (٤) ، يعني فيكون الأصل وسود غرابيب سود والمؤمن الطير العائذات الطير. قال أبو حيان : وهذا لا يصح إلا على مذهب من يجوّز حذف (٥) المؤكد ومن النحويين من منعه وهو اختيار ابن مالك (٦). قال شهاب الدين : ليس (٧) هذا هو التوكيد المختلف في حذف مؤكده لأن هذا من باب الصّفة والموصوف ومعنى تسمية الزمخشري لها تأكيدا من حيث إنّها لا تفيد معنى زائدا إنما تفيد المبالغة والتوكيد في ذلك اللون والنحويون قد سموا الوصف إذا لم يفد غير الأول تأكيدا فقالوا وقد يجيء لمجرد التوكيد نحو : (نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) [ص : ٢٣] و (إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل : ٥١] والتوكيد المختلف في حذف مؤكده إنما هو في باب التوكيد الصّناعيّ (٨). ومذهب سيبويه جوازه ، أجاز : «مررت بأخويك أنفسهما» بالنصب والرفع على تقدير أعينهما أنفسهما أو هما أنفسهما فأين هذا من ذاك إلا أنه يشكل على الزمخشري هذا المذكور بعد «غرابيب» ونحوه بالنسبة إلى أنه جملة مفسرا لذلك المحذوف وهذا إنما
__________________
(١) من الرجز لأبي النجم العجلي وعجزه :
.......... |
|
كما اشترى المسلم إذ تنصّرا |
والمراد بالمسلم جبلة بن الأيهم أحد ملوك غسّان. والشاهد فيه كسابقه في «وبالطّويل العمر» حيث قدم الصفة على الموصوف والأصل: وبالعمر الطويل. والحيدر : القصير. وقد تقدم.
(٢) قال الرضي في شرح الكافية ١ / ٣١٨ : «اعلم أنه إن صلح النعت لمباشرة العامل إياه جاز تقديمه وإبدال المنعوت منه نحو : مررت بظريف رجل. قال : والمؤمن العائذات الطّير يمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسند وقريب منه قوله : «وغرابيب سود» لأن حقّ غربيب أن يتبع أسود ؛ لكونه تأكيدا له نحو أحمر قانىء وإن لم يصلح لمباشرة العامل إياه لم يقدم إلا ضرورة والنية التأخير كما تقول في : إنّ رجلا ضربك في الدار إنّ ضربك رجلا». شرح الكافية له ١ / ٣١٧ و ٣١٨.
(٣) فيه : وما أشبه ذلك. قلت : وجهه.
(٤) الكشاف ٣ / ٣٠٧.
(٥) البحر المحيط ٧ / ٣١١.
(٦) قال في التسهيل : «ولا يحذف المؤكّد ويقام المؤكّد مقامه على الأصح» ١٦٥.
(٧) الدر المصون ٤ / ٤٧٩ و ٤٨٠.
(٨) أي الاصطلاحي المصطلح عليه.