زيد فتوقعه بعد الفعل بالهاء العائدة إليه وحينئذ يطول الكلام فلا يختاره الحكيم إلا لفائدة (١) فما الفائدة في تقديم «الجنات» على الفعل الذي هو الدخول وإعادة (٢) ذكرها بالهاء في «يدخلونها» وما الفرق بين هذا و (بين) (٣) قول القائل : يدخلون جنّات عدن؟
فالجواب : أن السامع إذا علم له مدخلا من المداخل وله دخول ولم يعلم غير المدخل فإذا قيل له: أنت تدخل مال إلى (٤) أن يسمع الدار والسوق فيبقى متعلق القلب بأنه في أي المداخل يكون. فإذا قيل: «الدّار تدخلها» فيذكر الدار يعلم مدخله وبما عنده من العلم السابق بأن له دخولا يعلم الدخول فلا يبقى متعلق (٥) القلب ولا سيما الجنة والنار فإن بين المدخلين بونا بعيدا.
قوله : (يُحَلَّوْنَ فِيها) إشارة إلى سرعة الدخول فإن التحلية لو وقعت خارجا لكان فيه تأخير المدخول (٦) فقال : «يدخلونها» وفيها يقع تحليتهم ، وقوله : (مِنْ أَساوِرَ) بجمع الجمع فإنه جمع «أسورة» وهي جمع «سوار» (مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) ، وقوله : «ولباسهم» أي ليس كذلك لأن الإكثار من اللباس يدل على حاجة من دفع برد أو غيره والإكثار من الزينة لا يدل (إلا) (٧) على الغنى ، وذكر الأساور من بين سائر الحليّ في مواضع كثيرة كقوله تعالى : (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) [الإنسان: ٢١] وذلك لأن التحلي بمعنيين (٨) :
أحدهما : إظهار كون المتحلّي غير مبتذل في الأشغال (٩) لأن التحلّي لا يكون (حاله) (١٠) حالة (١١) الطبخ والغسل.
وثانيهما : إظهار الاستغناء عن الأشياء وإظهار القدرة على الأشياء لأن التحلي إما باللآلىء والجواهر وإما بالذهب والفضة والتحلّي بالجواهر واللآلىء يدل على أن المتحلّي لا يعجز عن الوصول إلى الأشياء الكثيرة عند الحاجة حيث لم يعجز عن الوصول إلى الأشياء العزيزة الوجود لا لحاجة والتحلّي بالذهب والفضة يدل على أنه غير محتاج (١٢) حاجة أصلية وإلا لصرف الذهب والفضة إلى دفع حاجته(١٣). وإذا عرف هذا فنقول : الأساور محلّها الأيدي وأكثر الأعمال باليد فإذا حليت بالأساور علم الفراغ من الأعمال (١٤).
__________________
(١) انظر في هذا القيل المرجع السابق أيضا.
(٢) في «ب» وإعادته وما في الفخر يوافق ما هنا.
(٣) سقطت من «ب» فقط.
(٤) في الفخر : فإلى أن يسمع الدار أو السوق يبقى متعلق القلب.
(٥) في الرازي : فلا يبقى له توقف.
(٦) كذا في النسختين وفي الرازي : الدخول.
(٧) زيادة من الرازي.
(٨) في «ب» لمعنيين.
(٩) في «ب» الاشتغال.
(١٠) سقط من «أ» وزيادة من «ب» فقط.
(١١) في «ب» حال.
(١٢) في «ب» محتاجة بالتأنيث.
(١٣) في «ب» حاجة وفي الفخر : الحاجة.
(١٤) وانظر : الرازي ٢٦ / ٢٦ و ٢٧.