فاسدا لا يحسّ به المعذب فقال عذاب نار الآخرة ليس كعذاب الدنيا إما أن يفنى وإما أن يألفه البدن بل هو في كل زمان شديد والمعذب فيه دائم.
الثانية : دقيق (١) العذاب بأنه لا يفتر ولا ينقطع ولا بأقوى الأسباب وهو الموت حتى يتمنوه ولا يجابون (٢) كما قال تعالى : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) أي بالموت.
الثالثة : ذكر في المعذبين الأشقياء بأنه لا ينقص عذابهم ولم يقل : يزيدهم (٣) ، وفي المثابين قال : (يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).
قوله : «كذلك» إما مرفوع المحل (٤) أي الأمر كذلك ، وإما منصوبه أي مثل ذلك الجزاء يجزى(٥). وقرأ أبو عمرو «يجزى» مبنيا للمفعول كلّ رفع به (٦). والباقون نجزي بنون العظمة مبنيا للفاعل كلّ مفعول به. والكفور الكافر.
قوله : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ) يستغيثون ويصيحون «فيها» وهو يفتعلون من الصّراخ وهو الصّياح. وأبدلت الفاء صادا لوقوعها قبل الطاء ، «يقولون (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) من النار فقوله : «ربنا» على إضمار القول وذلك القول إن شئت قدرته فعلا مفسرا ليصطرخون أي يقولون في صراخهم كما تقدم وإن شئت قدرته حالا من فاعل «يصطرخون» أي قائلين ربّنا (٧).
قوله : (صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) يجوز أن يكونا نعتي (٨) مصدر محذوف أي عملا صالحا غير الذي كنا نعمل وأن يكونا نعتي (٩) مفعول به محذوف أي نعمل شيئا صالحا غير الذي كنا نعمل وأن يكون «صالحا» نعتا لمصدر و (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) هو المفعول به. وقال الزمخشريّ : فإن قلت : فهلا اكتفي بصالحا كما اكتفي به في قوله : فارجعنا نعمل صالحا؟ وما فائدة زيادة غير الذي كنا نعمل؟ على أنه يوهم أنهم يعملون صالحا آخر غير الصالح الذي عملوه؟ قلت : فائدته زيادة التحسّر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به وأما الوهم فزائل بظهور حالهم في الكفر وظهور المعاصي ولأنهم كانوا يحسبون أنهم على سيرة صالحة كما قال تعالى : (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف : ١٠٤] فقالوا : أخرجنا نعمل صالحا غير الّذي كنا نحسبه صالحا فنعمله (١٠).
__________________
(١) في «ب» : وصف العذاب وهو الأصح.
(٢) في «ب» ولا يجابوه.
(٣) في «ب» كزيدهم. وانظر : الرازي ٢٦ / ٢٩.
(٤) نقله السمين في الدر ٤ / ٤٨٤.
(٥) السابق وانظر : التبيان ١٠٧٦.
(٦) ذكرت في السبعة لابن مجاهد ٥٣٥ والإتحاف للبناء ٣٦٢ وغيرهما.
(٧) انظر : البحر المحيط ٧ / ٣١٦.
(٨ و ٩) في النسختين بمعنى خطأ. والتصحيح ما أثبت أعلى حيث إنّ المعنى والقاعدة تؤيدان أن ما ذهبت إليه. وقد ذكر كل هذه الأوجه أبو البقاء في التبيان ١٠٧٦ والسمين في الدر ٤ / ٤٨٥.
(٨ و ٩) في النسختين بمعنى خطأ. والتصحيح ما أثبت أعلى حيث إنّ المعنى والقاعدة تؤيدان أن ما ذهبت إليه. وقد ذكر كل هذه الأوجه أبو البقاء في التبيان ١٠٧٦ والسمين في الدر ٤ / ٤٨٥.
(١٠) المرجع السابق.