وحركة السجود عند كونه للجمع حركة (١) معتبرة من حيث إن الجمع مشتق (٢) من الواحد وينبغي أن يلحق المشتق تغيير في حرف أو حركة أو في مجموعهما ، فساجد لما أردنا أن يشتقّ منه لفظ جمع غيّرناه وجئنا بلفظ السّجود فإذن السجود للمصدر والجمع ليس من قبيل الألفاظ المشتركة التي وضعت بحركة واحدة لمعنيين. وإذا عرف هذا فنقول «الفلك» عند كونه واحدا مثل : «قفل وبرد» (٣) وعند كونها جمعا مثل خشب أو برد (٤) أو غيرهما.
فإن قيل : فإذا جعلته جمعا ما يكون واحدها؟.
فالجواب : نقول جاز أن يكون واحدها فلكة أو غيرها مما لم يستعمل كواحد النّساء لم يستعمل وكذا القول في : «إمام مبين» إمام كزمام وكتاب عند قوله تعالى : (كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) أي بأئمّتهم إمام كسهام وحفان (٥) ، وهذا من دقيق التّصريف. وأما من جهة المعنى ففيه سؤالات :
السؤال الأول : قال ههنا : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) منّ عليهم بحمل ذرّياتهم وقال تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [الحاقة : ١١] منّ عليهم هناك بحمل أنفسهم.
فالجواب : أن من ينفع المتعلق بالغير يكون قد نفع ذلك الغير ومن يدفع الضر عن المتعلّق بالغير لا يكون قد دفع الضر عن ذلك الغير بل يكون قد نفعه كمن أحسن إلى ولد إنسان وفرّحه فرح بفرحه أبوه وإذا دفع الألم عن ولد إنسان يكون قد فرّح أباه ولا يكون في الحقيقة أزال الألم عن أبيه فعند طغيان الماء كان الضرر يلحقهم فقال : دفعت (٦) عنكم الضّرر ولو قال : دفعت عن أولادكم الضرر لما حصل بيان دفع الضرر عنهم وههنا أراد بيان المنافع فقال : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) لأنّ النفع حاصل بنفع الذرية ، ويدل على هذا قوله : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) فإن امتلأ الفلك من الأموال يحصل (بذكره) (٧)
__________________
ـ المصدر نحو : قام قياما وشأن الفرع أن يتبع الأصل. وذهب البصريون إلى أن المصادر أصل الاشتقاق ومن أدلتهم على ذلك أن المصدر يدل على الحدث والفعل وسائر المشتقات تدل على الحدث والزمان أو الحدث والذات وشأن الفرع أن يدل على معنى الأصل ويزيد عليه زيادة هي الغرض من اشتقاقه وصياغته انظر : التبيان في تصريف الأسماء ٣٣ للدكتور كحيل.
(١) كذا في النسختين وفي الرازي : «متغيرة».
(٢) في «ب» يشتق.
(٣) البرد من الثياب ثوب به خطوط. وخص بعضهم به الوشي. اللسان : «ب ر د» ٢٥٠.
(٤) جمع البرد صاحب اللسان فقال «والجمع أبراد وأبرد وبرود». اللسان المرجع السابق.
(٥) يوضح الرازي هذه النقطة في كتابه فيقول : «وكذا القول في إمام مبين ، وفي قوله : «نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» أي بأئمتهم ؛ عند قوله تعالى : «إِمامٍ مُبِينٍ» إمام كزمام وكتاب وعند قوله تعالى :«كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» إمام كسهام وكرام وجفان وهذا من دقيق التصريف. الرازي ٢٦ / ٨٠ و ٧٩.
(٦) في «ب» كلتا الكلمتين رفعت بالراء وما هنا في «أ» موافق للرازي.
(٧) سقط من «ب».