عن السمع أولى (١) واعلم أن الفرق بين قولك : سمعت حديث فلان وبين قولك : سمعت إلى حديثه أنّ قولك : سمعت حديثه يفيد الإدراك وسمعت إلى حديثه يفيد الإصفاء مع الإدراك (٢) ، وفي قوله : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) قولان أشهرهما : أن تقدير الكلام لئلا يسمعوا ، فلما حذف الناصب صار كقوله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] وقوله : (رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥]. قال الزمخشري : حذف (٣) اللام وإن كل واحد منهما جائز بانفراده وأما اجتماعهما فمن المنكرات التي يجب صون القرآن عنها ، قال الزمخشري : إنه كلام منقطع عما قبله وهو حكاية المسترقين السمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة ويستمعوا وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن المقصود (٤). والملأ الأعلى هم الملائكة الكتبة سكان السموات ومعنى يقذفون يرمون من كل جانب من آفاق السماء (٥).
قوله : «دحورا» العامة على ضم الدال. وفي نصبه أوجه :
أحدها : المفعول له أي (٦) لأجل الطرد.
الثاني : مصدر ليقذفون أي يدحرون دحورا أو يقذفون قذفا فالتجوز إما في الأول وإما (٧) في الثاني.
الثالث : أنه مصدر لمقدر أي يدحرون دحورا (٨).
الرابع : أنه في موضع الحال أي ذوي دحور أو مدحورين (٩). وقيل : هو جمع داحر نحو قاعد وقعود فيكون حالا بنفسه من غير تأويل (١٠). قال مجاهد : دحورا مطرودين. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ ويقذفون مبنيا للفاعل (١١) وقرأ عليّ والسّلمّي وابن أبي عبلة دحورا بفتح (١٢) الدال وفيها وجهان :
__________________
(١) الرازي ٢٦ / ١٢٢.
(٢) الكشاف ٣ / ٣٣٦. والرازي ٢٦ / ١٢٢.
(٣) سبق أنه في ٣ / ٣٣٦.
(٤) المرجع السابق.
(٥) انظر : البغوي ٦ / ١٩ وزاد المسير لأبي الفرج ابن الجوزي ٧ / ٤٧ والقرطبي ١٥ / ٦٥.
(٦) هذا رأي الكشاف وصاحبه ٣ / ٣٣٦.
(٧) قاله أيضا صاحب الكشاف ونقله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٥٢ قال صاحب الكشاف : أو لأنّ القذف والطرد متقاربان في المعنى فكأنه قيل : يدحرون (دحورا أو يقذفون) قذفا. الكشاف ٣ / ٣٣٦ وهذا رأي قال به أبو البقاء أيضا هو وسابقه. التبيان ١٠٨٨.
(٨) قاله في البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٣٠٣ وأما المشكل في الإعراب ٢ / ٢٣٥ فقد جعله مصدرا ليقذفون التوجيه السابق. وأورد هذا الرأي أيضا التبيان ١٠٨٨.
(٩) الكشاف والتبيان المرجعان السابقان.
(١٠) قاله أبو البقاء ١٠٨٨ وانظر في هذا كله السمين ٤ / ٥٤٠.
(١١) البحر ٧ / ٣٥٣ والسمين ٤ / ٥٤٠ ونسبها في المختصر إلى السّلميّ ١٢٨.
(١٢) المحتسب ٢ / ٢١٩ وابن خالويه ١٢٧ والكشاف ٣ / ٣٣٦ والفراء ٢ / ٣٨٣.