الاستفهام لا تدخل إلا على الجمل لا على المفرد ؛ لأنه إذا عطف على المفرد كان الفعل عاملا في المفرد بواسطة حرف العطف وهمزة الاستفهام لا يعمل ما قبلها فيما بعدها ، فقوله : (أَوَآباؤُنَا) مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا (١). قلت (٢) : أما الرد الأول : فلا يلزم لأنه لا يلتزم (٣) مذهب سيبويه (٤) ، وأما الثاني : فإن الهمزة مؤكدة للأولى فهي داخلة في الحقيقة على الجملة إلا أنه فصل بين الهمزتين بإنّ واسمها وخبرها. ويدل على هذا ما قاله هو (٥) في سورة الواقعة فإنه قال : دخلت همزة الاستفهام على حرف العطف ، فإن قلت : كيف حسن العطف على المضمر في لمبعوثون) (٦) من غير تأكيد بنحن؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة كما حسن في قوله : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام : ١٤٨] لفصل (لا) (٧) المؤكدة بالنفي انتهى (٨). فلم يذكر هنا غير هذا الوجه وتشبيهه بقوله لفصل (لا) (٩) المؤكدة للنفي لأن لا مؤكدة للنفي المتقدم بما إلا أن هذا مشكل بأن الحرف إذا كرر للتأكيد لم يعد في الأمر العام إلا بإعادة ما اتصل به أولا أو بضميره. وقد مضى القول فيه (١٠). وتحصل في رفع «آباؤنا» ثلاثة أوجه: العطف على محل «إنّ» واسمها ، والعطف على الضمير المستكن في «لمبعوثون». والرفع على الابتداء والخبر مضمر (١١) ، والعامل في «إذا» محذوف أي : أنبعث إذا متنا. هذا إذا جعلتها ظرفا غير متضمن لمعنى الشرط ، فإن جعلتها شرطية كان جوابها عاملا فيها (١٢) أي إذا متنا بعثنا أو حشرنا(١٣).
وقرىء «إذا» دون استفهام (١٤) ، وقد مضى القول فيه في الرعد (١٥).
__________________
(١) قاله في البحر ٧ / ٣٥٥.
(٢) هذا رد شهاب الدين فيما نقله عنه المؤلف ٤ / ٥٤٣.
(٣) في ب : لا يلزم.
(٤) بدليل أن سيبويه صرح بالرأيين الجائزين وفضل أحدهما على الآخر وهذا ما أميل إليه في تجويز الرأيين.
(٥) أي جار الله الزمخشري.
(٦) ما بين القوسين كله سقط من أالأصل.
(٧) زيادة من الكشاف من قول الزمخشري.
(٨) الكشاف ٤ / ٥٥.
(٩) زيادة لتوضيح السياق وتكميله.
(١٠) في الأنعام عند تلك الآية السابقة.
(١١) وهذا ما توحي به عبارة سيبويه في الكتاب المرجع السابق. والأولان قال بهما جار الله الزمخشري.
ونقلهما شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٥٤٢.
(١٢) ولذلك يقولون في إعراب «إذا» ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه.
(١٣) تفسير الإمام شهاب الدين السمين ٤ / ٥٤٣.
(١٤) من القراءات المتواترة السبعية فهي قراءة عبد الله بن عامر انظر : الإتحاف ٣٦٨. وفي السبعة لابن مجاهد لم يذكرها وانظر : البحر ٧ / ٣٥٥ والسمين ٤ / ٥٤٣.
(١٥) يشير إلى قوله تعالى : «أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» الآية ٥. وبين هناك أن كل القراء يقرأون بالاستفهام فيهما : «أئذا ـ وأ ئنا» ، وأنّ ابن عامر قرأ وحده بالإخبار.