كان قدمها في صغره وهذا ظاهر القرآن لأنه ذكر قصة الذبيح ، ثم قال بعده : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)(١) قال ابن كثير : من قال : إنه إسحاق فإنما أخذه ـ والله أعلم ـ من كعب الأحبار أو من صحف أهل الكتاب وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى ينزل لأجله ظاهر الكتاب العزيز (٢).
قوله : (ما ذا تَرى) يجوز أن تكون «ماذا» مركبة مغلّبا فيها الاستفهام فتكون منصوبة وهي وما بعدها في محل نصب «بانظر» لأنها معلّقة له (٣) ، وأن تكون «ما» استفهامية و «ذا» موصولة فتكون مبتدأ وخبرا. والجملة معلقة أيضا (٤) ، وأن تكون ماذا بمعنى الذي فيكون معمولا (٥) لانظر. وقرأ الأخوان تري بالضم والكسر (٦) ، والمفعولان محذوفان أي تريني إيّاه من صبرك واحتمالك (٧). وباقي السبعة ترى ـ بفتحتين ـ من الرّأي. وقرأ الأعمش والضحاك ترى بالضّمّ والفتح (٨) ، بمعنى : ما يخيّل إليك ويسنح لخاطرك (٩).
قوله : (ما تُؤْمَرُ) يجوز أن تكون «ما» بمعنى الذي (١٠) ، والعائد مقدر ، أي تؤمره والأصل: تؤمر به ، ولكن حذف الجار مطرد فلم يحذف العائد إلا وهو منصوب المحل ، فليس حذفه هنا كحذفه (في) (١١) قولك : جاء الذي مررت (١٢) وأن تكون مصدرية (١٣) ، قال الزمخشري : أو أمرك على إضافة المصدر للمفعول وتسمية المأمور به أمرا (١٤). يعني بقوله المفعول أي الذي لم يسمّ فاعله ، إلّا أن في تقدير المصدرية (بفعل) مبني للمفعول خلافا مشهورا (١٥).
__________________
(١) وانظر هذا كله في معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٢٦ ، ٢٧ ولباب التأويل للخازن ٦ / ٢٦ ، ٢٧ وابن كثير ٤ / ١٣.
(٢) المرجع السابق.
(٣) انظر : مشكل الإعراب ٢ / ٢٤١ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٧٠ والتبيان ١٠٩٢ والدر المصون ٤ / ٥٦٣ والبيان ٢ / ٣٠٧.
(٤) المراجع السابقة.
(٥) المراجع السابقة.
(٦) من القراءات السبعية المتواترة انظر : السبعة ٥٤٨ والكشف ٢ / ٢٢٧ ، ٢٢٨ وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٣٤٨ ومعاني الفراء ٢ / ٣٨٩ ، ٣٩٠.
(٧) قاله الفراء في المرجع السابق وخالفه الزّجّاج فجعلها : «ماذا تشير» انظر : معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣١٠.
(٨) المحتسب ٢ / ٢٢٢ والكشاف ٣ / ٣٤٨ وضبطها الفراء تري ولعلها خطأ من الناسخ أو الطباعة.
(٩) المحتسب المرجع السابق.
(١٠) قال بهذا الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٤٨ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣٧٠ والسمين في الدر ٤ / ٥٦٣.
(١١) سقط من ب.
(١٢) الواقع أن هذا تجاوز في التعبير من المؤلف فالعائد عامة يحذف ولا خلاف أن حذف المنصوب قوي فكذلك ما في معناه. والعائد المجرور يجوز حذفه في صور وكذلك المرفوع يحذف في مواضع انظر ذلك بتفصيل في الهمع ١ / ٨٩ ، ٩٠.
(١٣) المراجع السابقة البحر والكشاف والدّرّ.
(١٤) الكشاف السابق.
(١٥) انظر الهمع ٢ / ٩٤ والدر المصون ٤ / ٥٦٣.