لقومه : ألا تتّقون (١) أي لا تخافون الله. ولما خوفهم على سبيل الاحتمال ذكر ما هو السبب لذلك التخويف فقال : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ).
قوله : «بعلا» القراء على تنوينه منصوبا وهو الربّ بلغة اليمن سمع ابن عباس رجلا منهم ينشد ضالّة فقال آخر : أنا بعلها ، فقال : الله أكبر وتلا الآية. ويقال : من بعل هذه الدار؟ أي من ربّها؟ وسمي الزوج بعلا لهذا المعنى ، قال تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) [البقرة : ٢٢٨] ، وقال : وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] فعلى هذا التقدير : المعنى أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة الله تعالى وقيل : هو علم لصنم بعينه ، وقيل : هو علم لامرأة بعينها أتتهم بضلال فاتبعوها (٢) ، ويؤيده قراءة من قرأ : «بعلاء» بزنة حمراء (٣).
قوله : (وَتَذَرُونَ) يجوز أن يكون حالا ، على إضمار مبتدأ ، وأن يكون عطفا على «تدعون» فيكون داخلا في حيّز الإنكار (٤).
قوله : (اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ) قرأ الأخوان بنصب الثلاثة (٥) من ثلاثة أوجه : النصب على المدح(٦) أو البدل (٧) أو البيان إن قلنا : إنّ إضافة «أفعل» إضافة محضة (٨) ، والباقون بالرفع إمّا على أنه خبر ابتداء مضمر أي هو الله (٩) ، أو على أن الجلالة مبتدأ وما بعده الخبر (١٠) ، روي عن حمزة أنه كان إذا وصل نصب ، وإذا وقف رفع. وهو حسن جدا.
وفيه جمع بين الرّوايتين.
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٥٦٧ ، والتبيان ١٠٩٢. وقيل : بإضمار أعني. المرجع السابق.
(٢) انظر هذه المعاني والآراء كلها في البحر ٧ / ٣٧٣ ، والكشاف ٣ / ٣٥٢ ، والرازي ٢٦ / ١٦١ ، وزاد المسير لأبي الفرج ابن الجوزي ٧ / ٨٠ ، والقرطبي ١٥ / ١١٧ ، ومعاني الفراء ٢ / ٣٩٢ و ٣٩٣ ، وانظر أيضا في معنى البعل : الغريب لابن قتيبة ٣٧٤ ، والمجاز لأبي عبيدة ٢ / ١٧٢ واللسان : «ب ع ل» ٣١٦ ومعاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج ٤ / ٣١٢.
(٣) ذكر هذه القراءة أبو حيان في البحر ٧ / ٣٧٣ وشهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٥٦٧ وابن خالويه في المختصر ١٢٨ وهي من القراءة الشاذة وانظرها أيضا في شواذ القرآن «٢٠٧».
(٤) الدر المصون ٤ / ٥٦٧.
(٥) من القراءات المتواترة. السبعة ٥٤٩ وإبراز المعاني ٦٦٦ وحجة ابن خالويه ٣٠٤ والنشر ٢ / ٣٦٠ ، والكشف ٢ / ٢٢٨.
(٦) قاله أبو البقاء ١٠٩٣ أي أعني.
(٧) السابق والبيان ٢ / ٣٠٧ ومشكل الإعراب لمكي ٢ / ٢٤٢ وانظر كل هذا في الدر المصون ٤ / ٥٦٧.
(٨) هذا قول أبي حيان والسمين في البحر والدر ، البحر ٧ / ٣٧٣ والدر ٤ / ٥٦٧.
(٩) المرجع الأخير السابق وانظر : القرطبي ١٥ / ١١٧ ونقله عن أبي حاتم.
(١٠) الدر المصون السابق ومشكل الإعراب ٢ / ٢٤٣ وإعراب النحاس ٣ / ٤٣٦ والبيان ٢ / ٣٠٧ ومعاني الزجاج ٤ / ٣١٣.