فلما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وكان مما يجوز تأنيث فعله ألحقت علامة التأنيث (به) (١).
وقوله : (أَنْ لَوْ كانُوا) بتأويل المصدر مرفوعا بدلا من الجنّ والمعنى ظهر كونهم لو علموا الغيب ما لبثوا في العذاب أي ظهر جهلهم (٢).
الثاني : أن تبين بمعنى بان وظهر أيضا والجنّ فاعل. ولا حاجة إلى حذف مضاف و (أَنْ لَوْ كانُوا) بدل كما تقدم والمعنى ظهر الجن جهلهم للناس لأنهم كانوا يوهمون الناس بذلك كقولك: بان زيد جهله (٣).
الثالث : أن تبيّن هنا متعدّ بمعنى أدرك وعلم وحينئذ يكون المراد «بالجنّ» ضعفتهم وبالضمير في «كانوا» كبارهم ومردتهم و (أَنْ لَوْ كانُوا) مفعول به ، وذلك أن المردة (و) الرؤساء من الجن كانوا يوهمون ضعفاءهم أنهم يعلمون الغيب فلما خرّ سليمان ميتا ومكثوا بعده عاما في العمل تبينت السفلة من الجن أن المراد منهم لو كانوا يعلمون الغيب كما ادعوا ما مكثوا في العذاب (٤) ، ومن مجيء «تبيّن» متعديا بمعنى أدرك قوله :
٤١٢٤ ـ أفاطم إنّي ميّت فتبيّني |
|
ولا تجزعي كلّ الأنام يموت (٥) |
وفي كتاب أبي جعفر (٦) ما يقتضي أن بعضهم قرأ : «الجنّ» بالنصب (٧). وهي واضحة أي تبينت الإنس الجنّ ، و (أَنْ لَوْ كانُوا) بدل أيضا من «الجنّ» ، قال البغوي : قرأ ابن مسعود وابن عباس تبينت الإنس أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين أي علمت الإنس وأيقنت ذلك (٨). وقرأ ابن عباس ويعقوب تبيّنت الجنّ على
__________________
ـ وتبيّن هنا فعل لازم كما هو واضح. وفي البيت شاهد صرفيّ مشهور وهو جمعه «طويل» على طيال وليس طوال وذلك فما ليس نحن فيه. انظر: شرح شواهد الشافية ٤ / ٢٨٥ و ٣٨٦ وشرح المفصل ١٠ / ٨٧ و ٨٨ و ٤ / ٤٥ والشافية ٣٨٥ والتصريح ٢ / ٣٧٩ والأشموني ٤ / ٣٠٤ والبحر المحيط ٧ / ٢٦٧ والمنصف ١ / ٢٤٢ والمحتسب ١ / ١٨٤ وتوضيح المقاصد ٦ / ٣٥ وديوان الحماسة البصرية ١ / ١١٩ واللسان : «طال» «طول» ٢٧٢٦.
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) قاله أبو البقاء العكبري في التبيان ١٠٦٥ ومكي في مشكل الإعراب ٢ / ٢٠٦ والفراء في معاني القرآن ٢ / ٣٥٧ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٧٧ وهو بدل اشتمال كقولهم : أعجبني زيد عقله ، وظهر عمرو جهله ويجوز أن يكون «أَنْ لَوْ كانُوا» في موضع نصب انظر : المراجع السابقة.
(٣) الدر المصون ٤ / ٤٢٤.
(٤) انظر أبا حيان في البحر المحيط ٧ / ٢٦٧ والسمين في الدر ٤ / ٤٢٤.
(٥) من الطويل وهو مجهول القائل وجيء به استشهادا على أن «تبين» قد تعدى للمفعول وهو الياء وهو بمعنى أدركيني. وانظر البحر المحيط والدر المصون المرجعين السّابقين.
(٦) يقصد أبا جعفر النحاس صاحب إعراب القرآن وقد مرّ ترجمته.
(٧) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٣٣٨.
(٨) معالم التنزيل له ٥ / ٢٨٦.