فصل
لما بين الله تعالى حال الشاكرين وحال الكافرين وذكرهم بما مضى عاد إلى خطابهم فقال لرسوله عليه (الصلاة (١) و) السلام : قل للمشركين (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ). وفي الكلام حذف أي ادعوهم ليكشفوا (٢) الضر الذي نزل بكم في سنين (٣) الجوع ثم وصفها فقال : (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) من خير وشر ونفع وضر (وَما لَهُمْ) أي الآلهة فيهما أي السموات والأرض (مِنْ شِرْكٍ) أي شركة (وَما لَهُ) أي وما لله (مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) عون (٤).
قوله : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) اللام في «لمن» فيها أوجه :
أحدها : أن اللام متعلقة بنفس الشفاعة قال أبو البقاء (٥) : وفيه نظر وهو أنه يلزم أحد أمرين إما زيادة اللام في المفعول في غير موضعها وإما حذف مفعول «تنفع» وكلاهما خلاف الأصل (٦).
الثاني : أنه استثناء مفرغ من مفعول الشّفاعة المقدر أي لا تنفع الشفاعة لأحد إلّا لمن أذن له ثم المستثنى منه المقدر يجوز أن يكون هو المشفوع له وهو الظاهر والشافع ليس مذكورا إنما دل عليه الفحوى والتقدير :
لا تنفع الشّفاعة لأحد من المشفوع لهم إلا لمن أذن له تعالى للشافعين أن يشفعوا فيه ويجوز أن يكون هو الشافع والمشفوع له ليس مذكورا تقديره لا تنفع الشفاعة إلا لشافع أذن له أن يشفع وعلى هذا فاللام في «له» لام التبليغ (٧) لا لام العلة (٨).
الثالث : أنه استثناء مفرغ أيضا لكن من الأحوال العامة تقديره لا تنفع الشفاعة إلا
__________________
(١) سقط من «ب».
(٢) وهذا يسمى إيجازا بالحذف.
(٣) قاله البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٩٠.
(٤) قاله أبو عبيدة في المجاز ٢ / ١٤٧ قال : «من ظهير» أي معين.
(٥) التبيان لأبي البقاء العكبري ١٠٦٨.
(٦) قال بهذا النظر أبو حيان في بحره حيث قال : وهذا فيه قلة لأن المفعول متأخر فدخول اللام عليه قليل». وتبعه شهاب الدين السمين في : «دره المصون» ٤ / ٤٣٤. ومعروف أن اللام تزاد في المفعول إذا كان مقدما كقوله تعالى : «إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ» وكقوله : «لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ» أما السبب الثاني الذي ذكره وهو حذف مفعول : «تنفع» فهو غير معتدّ به فقد يجوز حذف المفعول به ما لم يكن نائبا عن الفاعل أو متعجّبا منه ، أو مجابا به أو محصورا أو محذوف العامل وهكذا. انظر : مغني اللبيب ٢١٧ ، والبحر ٧ / ٢٧٦ والهمع ١ / ١٦٦ و ١٦٧.
(٧) هي الجارة وهي لاسم السامع للقول أو ما معناه نحو : قلت له ، وأذنت له ، وفسرت له : «مغني اللبيب» ٢١٣.
(٨) قاله في الدر المصون ٤ / ٤٣٤.