تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(٣٩)
قوله : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) أي أغنياؤها ورؤساؤها ، وقوله: (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) جملة حالية من «قرية» وإن كانت نكرة لأنها في سياق النفي (١). قوله : (بِما أُرْسِلْتُمْ) متعلق بخبر «إنّ» و «به» متعلق بأرسلتم ، والتقدير : إنا كافرون بالذي أرسلتم به. وإنما قدم للاهتمام وحسنه تواخي الفواصل (٢). وهذا تسلية لقلب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بأن إيذاء الكفار للأنبياء ليس بدعا بل ذلك عادة جرت من قبل ، وإنما نسب القول إلى المترفين مع أن غيرهم أيضا قالوا ذلك القول لأن المترفين هم الأصل في ذلك القول كقول المستضعفين للذين استكبروا : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) ثم استدلوا على كونهم مصيبين في ذلك بكثرة الأموال والأولاد فقالوا (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) أي بسبب لزومنا لديننا ولو لم يكن الله راضيا بما نحن عليه من الدين والعمل لم يخولنا الأموال والأولاد (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) أي أن الله أحسن إلينا في الدنيا بالمال فلا يعذبنا. ثم إن الله تعالى بيّن خطأهم بقوله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يعني أنّ الرزق في الدنيا لا يدل سعته وضيقه على حال المحق والمبطل فكم من موسر شقي ومعسر تقيّ فقوله : (وَيَقْدِرُ) أي يضيّق بدليل مقابلته «يبسط» (٣). وهذا هو الطباق البديعيّ (٤). وقرأ الأعمش : ويقدّر بالتشديد (٥) ثم قال : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أن قلة الرزق وضيق العيش وكثرة المال وسعة العيش بالمشيئة من غير اختصاص بالفاسق والصالح. ثم بين فساد استدلالهم بقوله : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) يعني إن قولكم نحن أكثر أموالا وأولادا فنحن أحسن حالا
__________________
(١) في «ب» النهي وهو تحريف واضح.
(٢) نقله شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٤٤٨.
(٣) نقله الإمام الفخر الرازي في تفسيره التفسير الكبير ٢٥ / ٣٦١ والحافظ البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٩٣.
(٤) وهو الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة ، قاله القزويني في إيضاحه ٢٤٣.
(٥) نقلت في المختصر والبحر المحيط هكذا يقدّر بالتشديد والبناء للفاعل أي الله ـ عزوجل ـ انظر البحر ٧ / ٢٨٥ وابن خالويه ١٢٢ ولكنها في ابن خالويه بالنون لا الياء. بينما نقلها في الإتحاف «ويقدّر» على البناء للمجهول وهي مع ذلك النقل من الإتحاف تكون متواترة بخلاف القراءتين الأوليين ، فهما شاذتان وأوردها الكشاف ٣ / ٢٩٢ بدون نسبة.