يقذفه يقذفه بالحق لا بالباطل. والباء (١) على الوجهين الأولين متعلق بالمفعول به والحق مقذوف على الوجهين الأولين وعلى هذا الباء في قوله : «بالحق» كالباء في قوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) [ص : ٢٦] والمعنى على هذا الوجه هو أن الله تعالى قذف ما قذف في قلوب (٢) الرسل وهو علام الغيوب يعلم ما في قلوبهم وما في قلوبكم.
قوله : (قُلْ جاءَ الْحَقُّ) يعني القرآن. وقيل : التوحيد والحشر ، وكلّ ما ظهر على لسان النبي ـ عليه (الصلاة (٣) و) السلام. وقيل : المعجزات الدالة على نبوة محمد ـ عليه (الصلاة و) (٤) السلام ـ وقيل : المراد من جاء بالحق أي ظهر الحق لأن كلّ ما جاء فقد ظهر.
قوله : (وَما يُبْدِئُ) يجوز في «ما» أن تكون نفيا (٥) ، وأن تكون استفهاما (٦) ، ولكن يؤول معناها إلى النفس ، ولا مفعول «ليبدىء» ولا «ليعيد» ؛ إذ المراد لا يوقع هذين الفعلين (٧) كقوله :
٤١٤٢ ـ أقفر من أهله عبيد |
|
أصبح لا يبدي ولا يعيد (٨) |
وقيل : مفعوله محذوف أي ما يبدىء لأهله خبرا ولا يعيده ، وهو تقدير الحسن (٩). والمعنى : ذهب الباطل ووهن فلم يبق منه بقية يبدي شيئا أو يعيد. وهو كقوله : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ). وقال قتادة : الباطل هو إبليس أي ما يخلق إبليس أحدا ابتداء ولا يبعثه. وهو (قول) (١٠) مقاتل والكلبيّ ، وقيل : الباطل الأصنام (١١).
قوله : (إِنْ ضَلَلْتُ) العامة على فتح لامه في الماضي وكسرها في المضارع ولكن
__________________
(١) في «ب» : والباطل. وهو تحريف.
(٢) في «ب» : قلب وهو يوافق الفخر.
(٣ و ٤) سقطتا من «أ» كالعادة.
(٥) وهو اختيار الزجاج في إعرابه قال : «والأجود أن يكون «ما» نفيا على معنى : ما يبدىء الباطل وما يعيد». معاني القرآن وإعرابه له ٤ / ٢٥٨. وانظر كذلك الإعراب للنحاس ٣ / ٣٥٥.
(٦) ذكره ابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٨٣ والزجاج في المعاني ٤ / ٢٥٨ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٩٥ والنحاس في الإعراب ٤ / ٣٥٥ وهي في موضع نصب. والتقدير : أي شيء يبدىء الباطل وأي شيء يعيد؟.
(٧) فيكون لازما.
(٨) رجز لعبيد بن الأبرص. والمعنى في الهلاك ويروى فاليوم بدل أصبح. والشاهد : «يبدىء ويعيد» ، فلا مفعول لهما بالإضافة إلى أن الباطل قد هلك فلا يبدىء ولا يعيد فجعل قولهم : لا يبدىء ولا يعيد مثلا في الهلاك. والبيت في الكشاف ٣ / ٢٩٥ وذيل الأمالي للقالي ٣ / ١٩٥ والبحر ٧ / ٢٩٢ وشرح شواهد الكشاف ٣٨٥ / ٤ وديوانه ٤٥ والدر المصون ٤ / ٤٥٦.
(٩) وهو معنى كلام الزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٩٥ قال : «وعن الحسن : لا يبدىء لأهله خيرا ولا يعيده» أي لا ينفعهم في الدنيا والآخرة. وانظر : البحر ٧ / ٢٩٢.
(١٠) سقط من «ب».
(١١) انظر هذه الأوجه مجتمعة في زاد المسير ٦ / ٤٦٦.