صورة انحفاظ الموضوع في كليهما ، كما في «أكرم العلماء» و «لا تكرم فسّاق العلماء» فإنّا لو قدّمنا أحدهما في مورد الاجتماع ـ وهو العالم الفاسق ـ فقد أخرجناه عن تحت الدليل الآخر مع كونه موضوعا له ، فالتقديم في الحقيقة تخصيص ، وهذا بخلاف المقام ، فإنّ امتثال أحد الدليلين وصرف القدرة فيه موجب لارتفاع موضوع الآخر ، لارتفاع قيد من قيوده ، وهو القدرة ، فأيّ منافاة بينهما بعد ما كان كلّ منهما مشروطا بالقدرة؟ فإذا صرفت في أحدهما ، لا يصير الآخر فعليّا أصلا ، لعدم فعليّة موضوعه بتمامه.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ باب التزاحم مغاير لباب التعارض ولا ربط لأحدهما بالآخر ، فإنّ التعارض هو التكاذب في مدلولي الدليلين والعلم بكذب أحدهما ، والتزاحم مورده العلم بثبوت تكليفين وجدانا أو تعبّدا والعجز عن امتثالهما معا ، ولو فرضت القدرة على امتثالهما ، لوجوب امتثالهما ، فالتزاحم مختصّ بالعاجز ، بخلاف التعارض ، فإنّ استحالة التعبّد بالمتناقضين أو الضدّين لا تختصّ بشخص دون شخص.
فما في بعض الكلمات ـ من أنّ الأصل في التمانع بين التكليفين هل هو التعارض أو التزاحم؟ ـ على ما قال شيخنا الأستاذ (١) قدسسره كالقول بأنّ الأصل في الأشياء هل هو الطهارة أو صحّة الفضولي ، ضرورة أنّه لا جامع بينهما حتى يسأل عن الفرق.
ثمّ إنّ لشيخنا الأستاذ قدسسره كلاما ، وهو أنّ التزاحم بين التكليفين غالبا يكون في مورد عدم القدرة ، وربّما يكون في غيره من جهة العلم بعدم مطابقة أحد الخطابين للواقع ، ومثّل لذلك بما إذا ملك خمسا وعشرين إبلا في أوّل
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٠٥.