وثانيا : أنّه قدّم في المقبولة قول من لا يكون قوله مقدّما في باب الفتوى قطعا كالأورع ، فإنّ مقتضاها هو وجوب الرجوع إليه ولو كان غيره أعلم منه.
وثالثا : أنّ مقتضاها هو وجوب الرجوع إلى الأفضل من الاثنين ، والمدّعى لزوم الرجوع إلى أفضل الناس جميعا.
ومن ذلك ظهر الجواب عمّا يدلّ على ذمّ من يفتي وفي المصر من هو أفضل منه. وهكذا ظهر الجواب عن المنقول عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك» (١) فإنّ الكلام في وجوب الرجوع إلى الأفضل من جميع الناس لا الأفضل من علماء مصر من الأمصار.
هذا ، مضافا إلى أنّ موردهما كمورد المقبولة مورد الحكومة ، والتعدّي قياس مع الفارق.
ومنها : أنّ قول الأفضل أقرب من غيره ، فيلزم الأخذ به عقلا.
وفيه أوّلا : منع الصغرى على إطلاقها ، إذ كثيرا ما يكون غير الأفضل قوله أقرب منه ، لاعتضاد بعضهم ببعض ، وهل يكون قول فقيه واحد يكون أعلم من مائة فقيه أقرب إلى الحقّ من قول هذا الجمّ الغفير الذين يفتون على خلاف الأعلم ويرون خلاف ما يراه!؟
وثانيا : أنّه لم يعلم أنّ تمام مناط حجّيّة قول الأعلم هو أقربيّته إلى الواقع.
نعم ، لو كان المدرك لوجوب التقليد بناء العقلاء أو السيرة من دون تصرّف من الشارع ، لكانت هذه الكبرى تامّة.
بقي شيء ، وهو أنّهم ذكروا ـ فيما إذا علم إجمالا بأعلميّة أحد الشخصين ـ أنّه يتعيّن الأخذ بأحوط القولين. وهذا كما ذكروه. وفيما إذا لم يعلم
__________________
(١) نهج البلاغة ـ بشرح محمد عبده ـ : ٥٢٠.