كان فيه أحد يسلّم عليهم ، وإن لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربّنا ، يقول الله تعالى : (مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) [سورة النور ، الآية : ٦١]».
أقول : يستفاد منه أنّ استحباب التحيّة والسلام لا يدور مدار وجود الطرف المقابل أو المسلّم عليه ، بل السلام أو التحيّة مستحبّ سواء كان المسلّم عليه موجودا أو لم يمكن ، أي : يسلّم على نفسه كما في الحديث ، ويمكن أن يكون السلام المذكور فيها دعاء خاصّ للدخول في البيت الّذي لم يكن فيه احد لا التحيّة الخاصة.
وفي الحديث : «ما من عبد يمرّ بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه إلّا عرفه وردّ عليهالسلام».
أقول : يستفاد من هذا الحديث ـ مع قطع النظر عن السند ـ أمور :
الأوّل : أنّه متى جاء الزائر علم به المزور وسمع كلامه وردّ عليه ، وهذا بالنسبة إلى الشهداء في طريق الحقّ ونصب العدل والأولياء من المؤمنين ، لا إشكال فيه ؛ لاستيناس أرواحهم الشريفة مع عالم الشهادة وإن كان مقرّها في العليّين وعند الرفيق الأعلى كما تقدّم سابقا ، وأمّا بالنسبة إلى غيرهم من الكفّار والمنافقين والعصاة ، فلا يكون كذلك ؛ لأنّ أرواحهم معذّبة إلى يوم القيامة ، فيلحق بها أجسامهم ، وإنّ انقطاعهم عن عالم الشهادة نحو تعذيب لأرواحهم.
الثاني : أنّ الجواب إنّما يكون بلسان الحال لا بالتلفّظ والمقال ، وفي بعض الأخبار أنّهم يتأسّفون على انقطاع الأعمال عنهم حتّى يتحسّرون على ردّ السلام وثوابه ، فكما أنّ تأسّفهم حالي لا مقالي كذلك سائر حالاتهم.
الثالث : أنّ الكمالات لا تنسلخ بالموت ، وأنّ العلوم والمشاعر الروحيّة تكون مع الإنسان في جميع العوالم.
الرابع : أنّهم يسمعون السلام ويستأنسون به ، وفي بعض الآثار يسمعون صوت نعلكم وحكاياتكم ، ولذا ورد في زيارة أهل القبور من السلام عليهم وأنّهم