له ، فأكثر التمنّي تصوّر ما لا حقيقة ولا واقع له. وحديث النفس بما يكون أو لا يكون ، وتشهّي حصول الأمر المرغوب فيه ، وعن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «إذا تمنّى أحدكم فليكثر ، فإنّما يسأل ربّه» ، يعني : إذا سأل الله تعالى حوائجه الشرعيّة فليكثر ؛ لأنّ فضل الله كثير وخزائنه واسعة ورحمته عمّت كلّ شيء ، وفي المقام أطلقت على ما كان يذكره أهل الكتاب وما تفاخر به بعض المسلمين مجازا ؛ لبيان أنّها مجرّد صور خياليّة لا واقع لها ، فردّ الله تعالى مزاعمهم وبيّن أنّ الواقع غير ذلك.
ويستفاد من اقتران أهل الكتاب مع بعض المسلمين أنّ هناك جهة اتّفاق بينهم ، وهي أنّ الدين واقع عملي والاختلاف في ذلك في سائر الأديان الإلهيّة ، وأنّه لو رعوها لكانت الأديان كلّها تسير في جهة واحدة ، ولما وجد الاختلاف بينها ، ولما وقعت هذه المصائب.
قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ).
بيان للحقيقة والواقع في هذا الأمر العظيم الّذي قلّ ما يخلو منه مجتمع أو مذهب ، فإنّه بعد أن نفى جلّ شأنه كون التمنّي موجبا لكسب فضيلة أو جلب منفعة أو نيل جزاء ، فضلا عن الجزاء العظيم الّذي أعدّه الله تعالى للمؤمنين ، إلّا أنّ هذا النفي القاطع الحاسم قد يجعل المؤمن الّذي يدخل في دين ـ سواء كان دين الإسلام أم النصرانيّة أم اليهوديّة ـ مورد السؤال ؛ لأنّ الدخول في الدين إذا لم يكن نافعا ولم يجر له خيرا فماذا يفعل وهذه هي حاله ، بل أنّ كلّ سامع لذلك يتشوّق إلى استبانة الحقّ وحكم الله تعالى في هذا الأمر ؛ فيبيّن عزوجل الجواب في هذه الآية الكريمة عقيب تلك الآية الشريفة بغير فصل وبصيغة العموم ، فقال تعالى : إنّ كلّ من يعمل سوءا يجد جزاءه ولم يكن له وليّ ولا نصير ينصره من جزاء أعماله ، كما أنّ من يعمل من الصالحات يدخل الجنّة.
ثمّ إن إطلاق قوله تعالى : (يُجْزَ بِهِ) يشمل جزاء الدنيا ممّا قرّرته الشريعة ـ