وإيجاد الرأي إن كان ممّا أراه الله تعالى لصاحب الرأي ، فهو صواب ، كرأي النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وكذلك رأي خلفائه المعصومين كما ستعرف ، وأمّا رأي غيرهم فلم يعلم أنّه ممّا أراه الله تعالى أو الشيطان أو النفس الأمّارة بالسوء ، الّتي هي من جنود الشيطان ، أو الخيالات الفاسدة الّتي هي من أهمّ جنوده أيضا.
وقد جعل عزوجل في المقام الحكم بين الناس الغاية لإنزال الكتاب ، نظير قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٣] ، إلّا أنّ الفرق بين الآيتين أنّ المقام خاصّ ، وآية البقرة عامّ ، كما يزيد المقام أيضا أنّ الله تعالى جعل حقّ الحكم لرسول الله صلىاللهعليهوآله والحجيّة لرأيه ونظره.
قوله تعالى : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً).
جملة مستأنفة والعطف فيها من عطف جملة إنشائيّة على جملة خبريّة هي في معنى الإنشاء ، فيرجع المعنى إلى قوله : احكم بينهم ولا تكن للخائنين خصيما.
والخصيم : من يدافع عن الدعوى ونحوها ، سواء كان من أطراف النزاع والخلاف ، أم لم يكن ، وفي الدعاء : «اللهم بك خاصمت» ، أي : بما ألهمتني من الدليل والبرهان خاصمت المعاندين وأظهرت لهم الحجّة ، وفي الحديث : «إذا خاصمكم الشيطان فخاصموه بما ظهر لكم من قدرة الله تعالى» ، والذكر والأنثى فيه سواء.
وفعيل هنا بمعنى فاعل ، ويدلّ عليه قوله تعالى في ما يأتي : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) ، وجمع الخصيم خصماء. وهو يشمل جميع ما يوجب تأييد الخائنين وتقويتهم بالحجّة والدفاع عنهم بالمجادلة والميل إليهم.
ولا فرق بين القوي والضعيف ، فيشمل القوى في الدعوى أيضا ، والصديق والعدو ، والمؤمن والكافر ، أو القريب والبعيد ، وغير ذلك ممّا يوجب تقوية الخيانة ؛ لإطلاق الآية المباركة ، وأنّ الخيانة مبغوضة والخائن لا كرامة له عند الله تعالى.
الآية المباركة تدلّ على نهيه صلىاللهعليهوآله عن أن يكون مدافعا للخائنين ذابا عنهم