قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ).
حكم آخر من أحكام النساء ، وهو لزوم العدل بينهن بتطبيق ما شرّع الله تعالى لهن على الرجال في أوّل هذه السورة ، قال تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) [سورة النساء ، الآية : ٣].
وتبيّن الآية الكريمة حقيقة اجتماعيّة ، وهي أنّ العدل بالمعنى الحقيقيّ ، وهو التساوي بين الطرفين في جميع الجهات بحيث لا يقع ميل إلى جانب في شأن من شؤون الحياة الزوجيّة كالقسمة أو النفقة ، والتعهّد ، والنظر ، والميل ، والإقبال ، والمؤانسة ، وغير ذلك ممّا لا يكاد الحصر ، فإنّه ممّا يتعذّر إقامته ولا يتحقّق وإن حرص عليه الرجل كلّ الحرص ؛ لو عورة مسلكه ودقة تطبيقه واشتباه اعلامه ، فمن الصعب جدا تشخيصه ، خصوصا في إقبال النفس والميل القلبي اللذين لا يملكهما المرء ولا يتطرّق إليهما الاختيار ، فلا يقدر أن يملك الآثار الطبيعيّة المترتّبة عليهما ، فيبيّن عزوجل أنّ العدل بحقيقة معناه الّذي أمر الله تعالى بإقامته في حياته الاجتماعيّة غير مستطاع ولا يتعلّق به التكليف ، وإنّما الّذي يمكن أن يملكه هو أن لا يميل إلى أحد الأطراف ، كما سيأتي في البحث الروائي.
وتفسّر هذه الآية الشريفة الآية الكريمة الّتي وردت في أوّل السورة ، الّتي أمرت باتّخاذ العدل بين النساء ، ويكون هذا حكما تخفيفيّا امتنانيّا منه عزوجل ، لرفع التحيّر الّذي أصاب الرجل المؤمن الورع نتيجة عدم إمكان تشخيص حقيقته وصعوبة مناله.
قوله تعالى : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ).
بيان لما يمكن تطبيقه من معنى العدل ، وهو التسوية بين النساء بإتيان حقوقهن من غير تطرّف وعدم التعاسر معهن ونبذ الإساءة إليهن ، فلا يجور على المرغوب عنها منهن بأن يميل كلّ الميل إلى المحبوبة ويعرض عن الأخرى المرغوبة عنها ، فيذرها كالمعلّقة لا هي متزوّجة ولا هي مطلّقة ، وهذا هو العدل الّذي يمكن