ليس من الإسلام ، بل هو يدعو إلى التمتّع بالدنيا في حدود الأسس الّتي يضعها الإسلام ، وهي أن لا تكون موجبة للصدّ عن الله تعالى وآياته ، أو تكون محرّمة ، وإلّا أورد صاحبها الهلاك.
والقرآن لا يذمّ الدنيا إلّا في هذين الموردين ، الأوّل : ما إذا كانت موجبة للصدّ عن ذكر الله تعالى.
والثاني : ما إذا كانت محرّمة على صاحبها ، أو بالتعبير القرآني الّذي ينهي عن الفتنة بمتاع الدنيا ، قال تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٣٢]. وهذه الآية المباركة لم تذمّهم على تمتعهم بما في الدنيا ، بل لأنّها صارفة عن الطاعة والعمل بأحكام الله تعالى ، وسيأتي تفصيل الكلام في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) على أنّ الموت واقع على الإنسان على كراهيّة منه ، وأنّه يطارده حتّى يدركه في أي مكان كان ، كمطاردة الأسد فريسته حتّى يدركه. كما يستفاد من قوله تعالى : (يُدْرِكْكُمُ) أنّ الموت يتربّص بالإنسان ، يحوك حوله الدوائر حتّى يوقعه في شباكه فيدركه ، وأنّه إذا لم يدركه فلا موت وإن طلب الإنسان لنفسه جميع أسبابه ، فلا اختيار له في دفعه ، فإذا انقضت الآجال فلا بدّ من الموت ومفارقة الروح الجسد بأيّ سبب كان ، كالقتل أو شرب سم أو مرض وكلّ ما جرى عادته عزوجل يزهقها به.
وهذه الآية الكريمة ردّ على كثير من مزاعم بعض الفلاسفة والمتكلّمين في الموت والآجال ، منهم القدريّة في الآجال ، والمعتزلة في قولهم : إنّ المقتول لو لم يقتله القاتل لعاش ، ويردّه قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ).