صدر منه من المعصية والظلم ، وعدم الحياء من الله تعالى الّذي هو معهم ولا تخفى عليه خافية.
ومن ذلك يستفاد أن أساس كلّ معصية وارتكاب كلّ ظلم وسوء إنّما هي الخيانة بهذا المعنى العريض الشامل لكلّ مخالفة ، وأنّها تحصل بترك المراقبة للنفس ، وسيأتي في الموضع المناسب التفصيل في ذلك إن شاء الله تعالى.
السادس : يدلّ قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ) انحصار الطريق في رفع أثر الظلم على النفس والمعصية والسوء ، بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى وطلب المغفرة منه عزوجل ، أمّا الشفاعة للظالمين الخائنين لأنفسهم والدفاع عنهم واتّخاذ الدليل لهم ، فلا فائدة في ذلك كلّه ، فرحمته عزوجل إنّما تشمل العباد لو طلبوها من الطريق الصحيح.
السابع : يدلّ قوله تعالى : (الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) على معنى دقيق ، وهو أنّ الإنسان إنّما خلقه عزوجل وأودع فيه غريزة خاصّة بها يطلب الكمال ويسعى له ، وقد بيّن عزوجل الطريق الّذي يوصله إليه ، ولا يمكن أن يطلبه من غير ذلك وما يطلبه ، فإنّه خيال ووهم وليس هو الكمال الحقيقي المنشود ، فمن ارتكب المعصية ويقترف الإثم والسوء ، فإنّه خان نفسه الّتي تسعى إلى الكمال وأضلّها عن الطريق المستقيم وعن ما أودعه عزوجل في فطرة الإنسان عنها وتضييعها وتعطيلها ، ولو أحرز شيئا لم يكن ذلك من الكمال المنشود.
الثامن : يستفاد من قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) أنّ الأنبياء عليهمالسلام كسائر البشر يتأثّرون بكلّ ما يحيط بهم من قول الشرّ ، إلّا أنّ العصمة الّتي أودعها الله تعالى فيهم تحفظهم وتمنع من ظهور آثار الضلال عليهم ، فلا يضرّونهم أهل الضلال.