بحث عرفاني :
الهجرة وهي الانتقال والرحيل سواء كان من الوطن إلى غيره أو من حال الى غيرها. وإنّها من أكمل الصفات الحسنة وأجلّها إن كانت ناشئة من الحبّ الحقيقي الواقعي لله سبحانه وتعالى والانقطاع إليه جلّ شأنه ، وبها يحصل الودّ والحبّ له عزوجل ، ومنه تعالى لعبده.
بل أنّ الهجرة من الفناء في ذاته جلّت عظمته ؛ لأنّ بها يخرج الإنسان عن ذلّ ما توطّن فيه من الصفات الذميمة ويبعد عن المعاصي ـ الّتي تحصل عن الأهواء الشيطانيّة ـ كالكبر والحسد والبطر والجهل وغيرها.
وبالهجرة يفوز الإنسان وينال الكمالات بأنواعها وأقسامها الظاهريّة والمعنوية ، فعن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وبالهجرة يرتقي الإنسان عن حدود البشريّة في طلب حضرت الربوبيّة إلى منتهى السعادة بصفاء القلب وتزكيته والعروج إليه جلّت عظمته ؛ لأنّ البقاء والسكون فيها الّذين لا يرضاهما تعالى من آثار الحجب والبعد عن ذاته المقدّسة والقرب من الشيطان.
وبها يستغني المهاجر عن ما سواه تعالى ، ويذوق لذّة العبوديّة لله جلّ شأنه ، وينال شرفها بالخضوع الحقيقي له عزوجل. فالهجرة الواقعيّة من أسمى الصفات الكريمة وأجلّ الكمالات الواقعيّة وأرفع المنازل العظيمة ، وأشرف الحقائق بل هي غاية السير والسلوك إليه عزوجل ؛ لأنّها مبايعة الله تعالى مع عبده بالهجرة إليه عزوجل.