بحث كلامي :
الآية المباركة تدلّ على وجوب اتخاذ الحذر ، وهو حكم عقلي ـ بل أمر فطري ـ كشف عنه الشرع ، والحذر : هو طريق الاحتياط يعمّ في جميع الأشياء ويختلف حسب متعلّقه ، أي المخوف.
والفرق بينه وبين الكيد ، هو أنّ الكيد يحتال الإنسان ليوقع غيره في مكروه ، والحذر هو احتيال الشخص لخروج نفسه عن مكروه ، فالتنافي بينهما واضح. فما قيل من أنّه نوع من الكيد ، غير صحيح.
والتقديرات من اللّه سبحانه وتعالى لا يرفعها الحذر أصلا ؛ لأنّها كائنة حتّى في ظرف الحذر ، بل المقدّرات الإلهيّة غير مربوطة بالظروف الّتي حصلت باختيار الإنسان بنفسه ، كما عن نبيّنا الأعظم : «المقدور كائن والهم فضل» ـ وما قيل : «الحذر لا يغني القدر» ، فالتقديرات الإلهيّة كائنة مهما كانت الظروف والحالات.
إن قلت : لو كان التقدير في الحرب مثلا الغلبة ، فلا فائدة في الحذر ، وإن كان مقتضاه المغلوبيّة فلا نفع فيه ، فلا فائدة في الحذر على التقديرين.
قلت : الأمر بالحذر لا ينافي التقدير كما مرّ. وإنّ الأوامر التشريعيّة الّتي هي في مقام تكميل العبد ، غير مرتبطة بالأمور التكوينيّة الّتي منها التقديرات ، وقد يكون الحذر من مقدّمات الفعل الّذي تعلّق القدر به ، وقد يكون نفس الحذر أيضا مقدّرا.
وبالجملة : أنّ القدر هو جريان الأمور وفق نظام معين متين فيه الأسباب والمسبّبات ، واللّه تعالى قدّر أن يكون الفعل واقعا إذا لم يتّخذ الإنسان الحذر ولم يتهيّأ في دفع الضرر عن نفسه ، فيكون الحذر من جملة الأسباب ويكون العمل بالحذر عملا بنفس القدر ، لا أن يكون منافيا له أو لا نفع فيه ، هذا موجز الكلام في المقام ، ويأتي التفصيل في مسألة القضاء والقدر الّتي تأتي في الموضع المناسب إن شاء اللّه تعالى.