من كثير من أمور الدنيا ، حتّى وصل الأمر إلى إهلاكهن عند بعض الأقوام ، كما كانت العادة عند مشركي العرب ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٩٤] ، فراجع.
قوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً).
تأكيد لما ذكره عزوجل آنفا من وصول كلّ من عمل الصالحات إلى الجزاء الحسن والثواب الجزيل ، من غير أن ينقص منه شيء ولو كان حقيرا تافها. كما يدلّ أيضا على أنّ النساء والرجال متساوون في نيل الجزاء ودرك الثواب ، ولا فرق بينهما في ذلك من حيث الزيادة والنقيصة ، إلّا أن يكون التفاوت من ناحية أعمالهم ، فلا يظلمون من أجور أعمالهم ولو كان بقدر النقير ، وهو الثقبة الصغيرة في ظهر النواة ، ومنها تنبت النخلة ، وصار علما للقلّة والحقارة ، وفي حديث ابن عباس في الآية الشريفة : «وضع طرف إبهامه على باطن سبابته ثمّ نقرها وقال هذا النقير» ، وتقدّم الكلام في آية ٤٩ و ٥٣ من هذه السورة في اشتقاق الكلمة. ونبّه عزوجل بعدم تنقيص الثواب ، فبالأحرى أن لا يزاد عقاب العاصي أيضا ، وإنّما لم يذكره عزوجل ؛ لأنّه أرحم الراحمين ، وفضل منه جلّت عظمته للعبيد ، والمقام مقام الترغيب الى العمل الصالح ، وعن بعض أنّ الحكمة في ذلك ـ مضافا إلى ما تقدّم ـ لئلّا يفلس العبد لو اجتمع الخصماء في يوم القيامة عنده ، فيدفع إليهم واحدة ويبقى له البقية ، وهذا من لطفه وعنايته لعباده ؛ لأنّ مظالم العباد توفّى من التضعيفات لا من أصل الحسنات ، فما ذكره يرجع بالآخرة إلى ما تقدّم.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ).
بعد أن بيّن عزوجل أمر الدين وأنّ حقيقته عند الله تعالى هو الاعتقاد السليم والعمل الصالح ، وأنّ السعادة منوطة بهما معا ، كما أنّ الجزاء مطلقا ـ حسنا كان أم سيئا ـ إنّما يكون على الأعمال ن فلا جزاء بدون عمل ، ولا عمل بدون