وفي اختلاف التعبير في المقامين لبيان أنّ من يجري الشرّ في أفعاله ، فله من فعله كفيل يسأله ويحاسبه ، فلا يمكن التخلّص من عقوبته.
وكيف كان ، فالآية المباركة بعمومها تشمل جميع أنواع الشفاعات الدائرة بين الناس ، وهي قسمان الحسنة والسيئة ، فيدخل فيها الدعاء للأخ أو عليه ، ولعلّ أبرزها التبطئة عن القتال وإظهار الأعذار عن الدخول في الجهاد ، فإنّها من الشفاعة السيئة. ولم يبيّن سبحانه وتعالى الحسنة والسيئة في المقام ؛ اعتمادا على معروفيّتهما عند الناس.
كما أنّ الآية المباركة تحرّض المؤمنين على الشفاعة الحسنة ، وتنهى عن الشفاعة السيئة ، الّتي هي شفاعة أهل الظلم والطغيان والمفسدين في الأرض.
قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً).
تقرير لما سبق ، وتأكيد له ، والمقيت : المقتدر الحافظ ، ومن أسمائه جلّت عظمته (المقيت) ، أي : الحفيظ ، وفي الحديث : «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقيت» ، أي : من تلزمه نفقته من أهله وعياله وعبيده ، ممّن هو تحت قدرته ، وقال الزبير بن عبد المطلب :
وذي ضغن كففت النفس عنه |
|
وكنت على مساءته مقيتا |
أي قديرا. وقيل : إنّ مقيتا من أقته أقاته ، فأنا قائت ومقيت.
وكيف كان ، فإنّ فيه معنى الحساب ، أي : قادر على كلّ شيء على حساب دقيق يعطى على قدر الحاجة ، قال الشاعر :
إليّ الفضل أم عليّ إذا |
|
حوسبت أبي على الحساب مقيت |
والآية الكريمة تقرّر مضمون ما قبلها وتؤكّده كما ذكرنا ، أي : أنّ الله تعالى قادر وشهيد على الشفعاء ، يعلم محسنهم عن مسيئهم ويجازيهم على فعلهم.
والآية الشريفة بمجموعها تقرّر حكما اجتماعيّا وسنّة طبيعيّة ، وفيها تلخيص موقف المؤمنين المحسنين المقاتلين في سبيل الله تعالى ، وموقف المنافقين المسيئين