ويستحقر دونها ممّا فات من أعراض الدنيا ، وأمّا كون الأجر كثيرا فلأنّه دائم ، وأمّا كونه في منتهى كمال الصفات فلأنّه لا ينغصه شيء ولا يشوبه ما يعيبه ، وأمّا المنزلة فلأنّها مقارنة للتعظيم ، فإطلاق الآية المباركة يشمل جميع ما تقدّم لانتساب إعطاء الأجر إلى ذاته الأقدس وتوصيفه بالعظمة المتجلّية عن مقامه الربوبي جلّ شأنه ، وظاهر الآية المباركة من قبيل ترتّب السبب على المسبّب ، ويستفاد منها تثبيت قدرته وقهّاريته.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى).
بيان للقسم الثاني من المتناجين بعد بيان حال المتناجين بالخير والأمر بالصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس ، وابتغاؤهم مرضاة الله تعالى ، ووعدهم عزوجل الجزاء الأحسن.
وفي هذه الآية الشريفة يبيّن تعالى حال المتناجين بالشرّ ومخالفة الرسول صلىاللهعليهوآله واتّباعهم طريقا غير طريق المؤمنين ، وأوعدهم عزوجل الإملاء والاستدراج ثمّ إصلائهم جهنّم وساءت مصيرا.
والمشاقّة المخالفة والمعاداة ، مشتق إمّا من شقّ العصا ، أو من الشقّ ، وهو القطعة المبانة من الشيء ، فكأنّ كلّ واحد من المتخالفين في شقّ غير شقّ الآخر. وقد ورد في القرآن الكريم هذه الكلمة تارة : بالإدغام الّتي هي لغة بني تميم ، قال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [سورة الحشر ، الآية : ٤].
وأخرى بالفكّ كما في المقام ، وفي سورة الأنفال ـ الآية ١٣ قال تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ) وهي لغة الحجاز. ولعلّ الفكّ في المقام لبيان شدّة الانفكاك بين الرسول صلىاللهعليهوآله ومخالفه ، كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [سورة الأنفال ، الآية : ١٣].
والتعرّض للرسالة في قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) تعليلا لما