أي : من يأمر بالمذكورات من الصدقة ، والمعروف ، والإصلاح بين الناس ويفعل ذلك لأجل طلب رضا الله تعالى وتقرّبا إليه عزوجل ، فقد نال الخير وسيثيبه سبحانه وتعالى الأجر العظيم.
وإنّما عدل عزوجل عن الأمر إلى الفعل ؛ لبيان أنّ مجرّد الوعد غير كاف ، بل لا بدّ أن يتلبّس بالفعل ويتحقّق في الخارج.
قوله تعالى : (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ).
بغي الشيء طلبه ، وابتغاه يدلّ على شدّة الطلب والاجتهاد فيه ، فهو أبلغ من الطلب ، أي : من يفعل من الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس لأجل طلب رضا الله تعالى والانقطاع إليه ـ لأنّ الأعمال بالنيّات ـ فقد فاز بالأجر منه جلّت عظمته ويمنحه من عطاياه ويشرّفه من كرمه ، فيدلّ على أنّ فعل الخير إنّما يكون مظهرا لرحمته عزوجل في ما إذا أراد مرضاة الله تعالى منه ، فيكون الخير والعمل أنفع وأدوم ويكون مظهرا من مظاهر رحمته عزوجل ، وكلّ ما كان الفعل أخلص لوجه الله تعالى كان أكمل وأنفع وأبقى ، وعلى درجات الإخلاص يثاب الفاعل.
وتدلّ هذه الآية الشريفة على نظرية الإسلام في الخير والأخلاق الفاضلة ، فإنّه يؤكّد عليه أشدّ تأكيد ويحثّ على التخلّق بها والتحلّي بالفضيلة وعمل الخير ابتغاء لمرضاة الله تعالى وخالصا لوجهه الكريم ، فهو ينظر إلى الجانب الروحاني والمعنوي أكثر من البعد المادّي ، فلا يعير للأخلاق الفاضلة إذا طلبت لأجل البعد المادّي من قضاء الحوائج وتمشية الأمور الدنيويّة وحصول النفع كما تراه عليه الجاهليّة المعاصرة والمذاهب النفعيّة في الأخلاق ، فالخلق الكريم إنّما يكون صالحا وكاملا وموجبا لإصلاح النفس إذا كان ابتغاؤه لأجل مرضاة الله تعالى ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بذلك في أحد مباحثنا الأخلاقيّة ، فراجع.
قوله تعالى : (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).
أي : نعطيه مثوبة عظيمة يقصر عنها الوصف في الكثرة والصفة والمنزلة ،