بحوث المقام
بحث دلالي :
تدلّ الآيات الشريفة على أمور :
الأوّل : يدلّ قوله تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) على أنّ الآثار المترتّبة على المشفوع لأجله ـ سواء كانت خيرا وصلاحا ، أم كانت شرّا وفسادا ـ إنّما تلحق بالشفيع ؛ لأنّ الشفاعة نوع توسّط ولها السببيّة في إصلاح شأن أو ترميم نقيصة أو حيازة مزيّة ، الّتي هي من مقاصد الشفيع والمشفوع له. فلا بدّ أن يلاحظ الآثار المترتّبة على الشفاعة قبل وقوعها.
كما أنّ الآية المباركة تدلّ على قبول كلّ شيء للشفاعة ، إلّا ما خرج بالدليل ، ممّا لا تقبل الشفاعة ولا يسقط إلّا بفعل الإنسان نفسه ، مثل ما ورد في أنّه لا شفاعة في حدّ ، ونحو ذلك.
كما أنّ الآية الشريفة تثبت الشفاعة التكوينيّة ، وتقرّر قانون الأسباب والمسبّبات الّذي يبتني عليه النظام الكياني لهذا العالم ، وتثبت الشفاعة التشريعيّة ، وتزيد درجات الشافعين في الشفاعة الحسنة ، ومن ذلك يعلم درجة خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله في يوم القيامة ، لما منحه الله تعالى من الشفاعة العظمى ، فتكون له حسنات تلك الشفاعة ممّا تزيد بها درجته.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) على أنّ الشفاعة كسائر الأمور ، لا تؤثّر أثرها إلّا بإذن من الله تعالى المقتدر والحافظ للحدود والجزاء ، وتفسّر هذه الآية الكريمة الآيات الثلاث الشريفة الّتي تدلّ على أنّ الشفاعة لا بدّ أن تكون بإذن الله تعالى ، قال عزوجل : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [سورة الأنبياء ، الآية : ٢٨] ، وقال تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [سورة الزمر ، الآية : ٤٤].