قبيل ترتّب المعلول على العلّة ، فإنّهم أوردوا أنفسهم موارد الهلاك في الآخرة ؛ لأنّهم رضوا بالظلم في الدنيا وظلموا أنفسهم بترك الهجرة ، وحرموا أنفسهم من خير الدنيا وخير الآخرة.
قوله تعالى : (وَساءَتْ مَصِيراً).
أي : بئست نار جهنّم وقبحت أن تكون مأوى ومصيرا ، فإنّ كلّ ما فيها سوء.
قوله تعالى : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ).
استثناء عن حكم الآية الكريمة السابقة ، وبيان للمعنى الحقيقي للمستضعفين ، وردّ لما اعتذر به القاعدون في مساءلة الملائكة لهم بأنّهم مستضعفون ، فإنّهم غير صادقين فيه ، فقد تركوا الهجرة مع القدرة عليها وادّعوا الاستضعاف ؛ حرصا على أموالهم وأهليهم ، أو حرصا على أمنهم وسلامتهم ، أو حرصا على مكانتهم وجاههم.
والآية الشريفة تصوّر المستضعف تصوّرا دقيقا ، وتعطي المعنى الحقيقي له ، بحيث لا تدع مجالا لأيّ ادعاء آخر فيه.
والمستضعفون هم الّذين لا يقدرون على الهجرة لضعفهم ، كالولدان والنساء والشيوخ وسائر العجزة أو الضعفاء ، أو لعدم وجود السبيل والحيلة ، فهم يبحثون عن ذلك ، بل هم في وضع نفسي مضطرب وشعور مضطرم يختلف تماما عمّن يدّعي الاستضعاف ، الّذي هو في حالة الدعة والرضى والاستكانة حرصا على الدنيا وشيء من متاع الأرض ، كما عرفت.
قوله تعالى : (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً).
مادة (حيل) تدلّ على الحركة والاضطراب والتخيّر للتخلّص من شيء أو تحصيله ، أو ما يتوسّل به للحصول على شيء أو الاحتراز منه ، وغلب استعماله على ما يكون في خفاء وفي الأمور المذمومة.